كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”:
إستعرت منذ أيام أزمة الطوابير على أبواب الأفران في منطقة زحلة وقضائها، لتنفجر أحياناً إشتباكات بالأيدي والعصي بين أهالي المنطقة اللبنانيين وقاصدي الافران من النازحين السوريين، ما تسبب بأضرار مادية إستدعت تدخل الأجهزة الأمنية في أكثر من مكان لفضّ الإشتباكات.
وبعدما إستشعر أهالي المنطقة وسكانها النقص المتفاقم في كميات ربطات الخبز المطلوبة يومياً، ترجم القلق على رغيف الخبز صباح امس على أبواب الأفران التي إستمرت ببيع الخبز، بمقابل إمتناع بعض المخابز عن تسليم ربطات الخبز، بحجة تصريف كل إحتياطي الطحين المخصص لديها لصناعة الخبز العربي، فيما بقيت هذه الافران تبيع الخبز الإفرنجي والكعك على أنواعه، وقد ذكرت ان صناعته تستخدم القمح القاسي.
بداية من زحلة، التي لم يكن سهلاً مساء الإثنين العثور على ربطة خبز واحدة فيها. فالفرن الوحيد الموجود بوسط ثالث أكبر مدينة بلبنان لا ينتج الرغيف، إنما تصل كمياته من فرعه المركزي ببيروت محملة بحافلات. وعليه ما إن وصلت هذه الكميات صباح الإثنين حتى تهافت عليها ابناء المدينة قبل ان يبدأ تفريغها من الحافلة، الأمر الذي تسبب بفوضى عارمة، تطورت الى صراخ وتدافش، لم ينج منه حتى كبار السن، ما جعل موظفي المخبز يتوقفون عن العمل إلى أن إنتظمت صفوف المتهافتين مجدداً وسمحت بتوزيع الربطات المتوفرة.
والفوضى التي شهدها الفرن في زحلة ليست غريبة على مخابز أخرى في باقي أنحاء القضاء، وإمتناع بعضها عن بيع الخبز منذ صباح الثلثاء ضاعف اعداد الوافدين الى تلك التي إستمرت ببيع الخبز. زحمة السير الخانقة بمحيط أحد الافران ببلدة الفرزل شكلت مؤشراً الى توفر الخبز العربي فيه. إلا ان ذلك لم يكن كافياً ليصل الرغيف الى طالبيه بسهولة. بل إصطف الناس في طوابير منذ الخامسة فجراً، وإنتظر بعضهم لساعات حتى يحصل على ربطتي خبز كحد أقصى. وبدا المشهد أمام هذا الفرن صباحاً شبيهاً بالمشهد المرافق لزحمة الوافدين الى معظم أفران البقاع الأخرى في الايام السابقة. حيث قسم هؤلاء الى «طابورين»، الاول مخصص للبنانيين فقط ومن ضمنه خط مخصص للنساء وآخر للرجال، والثاني للسوريين الذين تم توزيع ربطات الخبز عليهم في الخارج، ولم يسمح لهم بدخول الفرن، وذلك بعدما حرمت السيدات من الحصول على حاجتهن بذريعة حضور بعض الرجال مع زوجاتهم للحصول على كمية مضاعفة من الحصة المخصصة لكل عائلة.
بعض من إصطفوا بالطوابير أنفقوا اضعاف سعر ربطة الخبز حتى يبلغوا فرناً يبيع الخبز العربي. وهو ما إشتكت منه بعض السيدات اللواتي ذكرن بأنهن حضرن من مختلف أنحاء البقاع، حيث أنفقت بعضهن مبلغ مئتي ألف ليرة بتنقلهن بين فرن وآخر ومتجر وآخر سعياً لتوفير الخبز لأولادهن.
هذا في وقت سيطر الملل على صاحب احد الافران الصغيرة ببلدة تعلبايا والتي إمتنعت عن تسليم الخبز صباحاً بذريعة أنه «ما في طحين» شارحاً بأن مخبزه «لم يستلم أي كمية من الطحين المدعوم منذ أكثر من شهر، وإستنفدنا كل الإحتياط لدينا»، ومؤكداً بأنه «ليس هناك قرار صادر عن المخابز بوقف تسليم الخبز وإنما ننتظر تطبيق الوعود بتسليم الطحين للمخابز في هذا النهار». وكذلك إمتنعت جميع فروع فرن شمسين، التي تشكل مزوداً أساسياً للخبز في منطقة البقاع، عن بيع الخبز العربي بذريعة نفاد كميات الطحين المتوفرة لديه.
ندرة الخبز أعادت تذكير البقاعيين بأزمة البنزين التي عاشوها في الصيف الماضي، وما رافقها من إتهامات لأصحاب المحطات بتخزين الكميات المتوفرة لديهم لتحقيق أرباح مضاعفة، وكل ذلك على حساب إذلال الناس، الذين باتوا يعانون على ابواب الأفران شتى انواع التمييز بين مدني وعسكري، سوري ولبناني، أنثى وذكر، لتولّد القلّة النقار حتى في المجتمعات المتجانسة وتداس كرامة الناس وحتى كبار السن منهم. وكل ذلك وسط حالة من الغش بالوزن ونوعية الطحين المستخدم والتلاعب بالأسعار، تحركت تجاهه النيابة العامة الإستئنافية في البقاع من خلال توقيف بعض اصحاب الأفران وتغريمهم في الاسبوع الماضي، وإنما من دون أن يساعد ذلك في إسترداد الثقة بالدولة وقدرتها على تأمين رغيف الفقراء بشكل متوازن ومستدام.