“أنا أكبر تاجر مخدّرات على رأس السطح. علناً ومش متخبّي. وراح خلّي بعلبك طول ما أنا عايش تعتاش على المخدّرات. والآن أبلّغ أهالي بعلبك والجوار، يوميّاً رح تنضرب مطارح ببعلبك والأمن مش رح يستتبّ. أنا أبو فيصل زعيتر كلامي متل حدّ السيف، ويسترجي حدن يواجهني”.
لم يكن ينقص الدولة “الفارطة” الفاقدة للهيبة وغير المسيطرة تقريباً على أيّ شيء سوى استقواء أبي فيصل زعيتر عليها. تاجر المخدّرات أعلنها حرباً. لم يكتفِ بذلك، بل وجّه تهديدات صريحة بالقتل لكلّ من قائد الجيش ورئيس فرع مخابرات البقاع العقيد محمد الأمين وضابطين يعملان معه من آل حميّة والموسوي، قائلاً: “إلي ثأر عندهم ورح آخدو بإيدي. هنّي عندهم ولاد وأنا بدّي أدعس (…)”.
وقال: “الظاهر محمد الأمين “مغلّط بالنمرة” وما بيعرف شو تاريخي. رح فرجي شو تاريخي للأمين. إجت نهايتك”. منطق الاستقواء واستحقار الدولة ليس جديداً لدى العصابات الحاكمة بأمرها، لكنّ خطورته أنّه يتمدّد في ظلّ فوضى عارمة و”كوما” دولة لا أفق لنهايتها.
في الساعات الماضية ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي بتصريحات أبي فيصل زعيتر التي أطلقها من الأراضي السورية بعد هربه إليها إثر مداهمة عناصر مديرية المخابرات لمنزله ومنزل شخصين آخرين في حيّ الشراونة.
وفق معلومات “أساس”، الاسم الحقيقي لأبي فيصل زعيتر هو رامز صبحي زعيتر، وهو من مواليد 1974 من بلدة ريحا في بعلبك
وفق معلومات “أساس”، الاسم الحقيقي لأبي فيصل زعيتر هو رامز صبحي زعيتر، وهو من مواليد 1974 من بلدة ريحا في بعلبك. مطلوب بموجب 11 وثيقة أمنيّة، آخِرتها صدرت في أيار الماضي لاتّهامه بجرم إطلاق نار وقذائف “آر بي جي”، ويعمل في تجارة المخدّرات على نطاق واسع.
يُعتبر زعيتر، وفق مخابرات الجيش، من أكبر مستوردي المخدّرات من الخارج عن طريق أقاربه في كولومبيا، ومروّجي المخدّرات في الداخل. إنّه معروف بافتعاله المشاكل بشكل دائم وفرض الخوّات على الأشخاص والمرافق العامّة، بما في ذلك المستشفيات، إذ اعتدى مع شقيقه قبل أيام على عمّال في مستشفى ابن سينا من أجل استجرار الكهرباء بالقوّة من مولّدات المستشفى، ولم يتوانَ عن إطلاق النار باتجاه مبناها. وهو مطلوب بموجب عدّة وثائق تتّهمه بإطلاق نار على منازل عناصر أمنية، وإطلاق نار وقذائف نتج عنه إصابة مدنيين.
رعاية حزب الله وحركة أمل
في آذار 2020، رعت قيادتا حزب الله وحركة أمل والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ولجان الإصلاح والعشائر في البقاع مصالحةً بين آل زعيتر وآل المقداد في منزل رامز، أو أبي فيصل، زعيتر، في حي الشراونة ببعلبك.
لكن رئيس مافيا تجارة المخدّرات، كما يصف نفسه، بقي تحت الرصد الأمني لفترة طويلة. ينشط على تطبيق tiktok ويزخر حسابه باستعراض قوّة للعديد من المطلوبين في بعلبك، وعلى رأسهم علي منذر زعيتر المعروف بـ”أبي سلّة”. انتقل الأخير من منطقة الفنار إلى حيّ آل زعيتر في الشراونة منذ 5 سنوات. هو أيضاً من أكبر تجّار المخدّرات في لبنان، ومن أخطر المطلوبين، وقد حاولت القوى الأمنية أكثر من مرّة اعتقاله، لكنّه كان ينجح دوماً في الفرار.
نشر أبو فيصل زعيتر على صفحته على “تيك توك” التهديدات التي وجّهها للضبّاط متوعّداً بتمويل بـ “50 أو 60 مليون دولار الحرب في بعلبك”، ردّاً على ملاحقته وتنفيذ مداهمات في بعلبك.
كان أدّى الاعتداء الذي نفّذه أخيراً على مستشفى ابن سينا إلى مداهمة منزله، لكنّ أبا فيصل زعيتر الذي تفاخر بأنّه لا يخاف أحداً “وما بيتخبّى” هرع إلى داخل الأراضي السورية مطلقاً تهديدات خطيرة بحقّ ضبّاط في الجيش.
لاقت تهديدات أبي فيصل زعيتر لضابطين من آل حميّة والموسوي سخطاً لدى الشريحة الكبرى من عائلة زعيتر، وسُرِّبت تسجيلات لأشخاص من عائلة زعيتر تُدين كلام “أبي فيصل” رافضةً “شتم الضباط والناس و”رَبعنا” بيت حميّة. العسكر يقومون بواجبهم، وما إجوا لعندك لأنّك أبو فيصل زعيتر. هم يقومون بواجبهم”.
تكتيك الجيش الجديد
آخِرة المداهمات “الدَسِمة” نفّذتها مخابرات الجيش في 3 حزيران الماضي وأدّت إلى اندلاع اشتباكات وحرب شوارع استُخدمت خلالها القذائف الصاروخية والأسلحة الثقيلة، وقتل نتيجتها عنصر في الجيش اللبناني واعتُقل عدّة مطلوبين. من جهتها، تنفّذ “شعبة المعلومات” عمليات أمنيّة نوعية في معقل “أمراء المخدّرات والخطف” عادة ما تعتمد أسلوب الاستدراج ورصد المطلوبين داخل وخارج أوكارهم.
يمكن الجزم أنّ خروج المطلوبين للعدالة عن أطوارهم واضطرار معظمهم إلى اللجوء إلى داخل الأراضي السورية وعدم التنقّل بحرّية داخل قلاعهم ومنازلهم في بعلبك-الهرمل أتيا نتيجة الضغط ومحاصرتهم أمنيّاً وتكثيف مداهمات الجيش لمنازلهم و”الربعات” العائدة لهم التي تشكّل مرتعاً لتعاطي المخدّرات.
لكنّ “الشغل الأمنيّ” المستمرّ تزداد كلفته بسبب عوامل عديدة: قساوة الظروف التي تسيطر على عمل العسكر ربطاً بالأزمتين الاقتصادية والمالية، وخطورة العمل في بقعة تسيطر عليها ميليشيات الخطف والسرقة وتبييضِ الأموال وتجارة المخدّرات، وتمدُّد إمبراطورية “رؤساء المافيات” الذين يتحدّون الدولة علناً ويهدّدون بتمويل “حرب” بملايين الدولارت بوجه عسكر يُحارِب باللحم الحيّ.
“أساس” ببعلبك.. الأهالي مرتاحون: الجيش خلّصنا من الزعران
لقد بدا جليّاً أنّ تكتيك الجيش في تحويل منازل المطلوبين إلى “ثكنات” والبقاء فيها وعدم “ترييحهم” وإجبارهم على البقاء بعيدين عن “مناطق نفوذهم” ضيَّق الخناق على عصابات الأمر الواقع وكبّل حركتهم ومنعهم، وفق مصدر أمني، من تمدّد أعمالهم غير المشروعة بما فيها فرض الخوّات وممارسة أعمال “السلبطة.”
تخوض الأجهزة الأمنيّة على أرض الواقع معركة صعبة جدّاً في ملاحقة الخارجين على القانون في ظلّ غياب الدولة التامّ واستنفار دائم في بقع تُصنَّف وفق المعطى الأمنيّ بـ”المعادية” والخطرة جدّاً، لأنّ كلّ عسكري وضابط، بلباسه المدني أو العسكري، هو هدف لهؤلاء المجرمين، ولأنّ شبكة هذه العصابات متغلغلة كالأخطبوط في عمق البلدات، و”عيونها” وأسلحتها في كلّ مكان