– تلفزيون «صوت العرب» كان بيتي وما زال، وأيضاً أعتبر الشعب الكويتي بمثابة أهلي لأنني لم ألقَ منهم سوى الإحترام والمحبة. وحين انتقلت للعمل في تلفزيون «فرانس 24» العالمي، كنت أعي بل كنت على يقين أنه تحدّي كبير، لأنني إذا لم أكن محترفة ومهنية سأخسر، وأود أن أخبرك أمراً، لقد تعلّمت الكثير الكثير من «فرانس 24»، حتى أنني أشعر أنني انتقلت من مكان إلى آخر في الإعلام، فهذه المحطة عالمية، وكل يوم جديد يكون حافزاً لي لأقدم الأفضل، خصوصاً أن عمري صغير نسبةً للعاملين فيها. وأذكر حين قال لي أحد أصدقائي وزميلي في المهنة، وهو معروف جداً في الوسط الإعلامي ومتمكّن، إن «فرانس 24» بحاجة لمراسل في لبنان، وأنا كنت قد أصبحت مديرة مكتب تلفزيون «صوت العرب» في بيروت ومذيعة أخبار لديهم، فقدمت الـ cv لمكتب «فرانس 24» في بيروت، مثلي مثل آخرين من زملائي، وانتظرت ربما شهرين حتى اتصلوا بي، وطلبوا أن أقوم بتجربة وفعلت، وبعد حوالي الشهر اتصلوا بي واختاروني من بين كثيرين لأكون مراسلتهم في بيروت. ومنذ ذلك الحين بدأت مرحلة مهمة جداً في مسيرتي أثبتّ نفسي فيها، وأنا فخورة لأنني لم أطلب واسطة من أحد، بل إن ما وصلت إليه كان نتيجة جهدي وتعبي ومثابرتي وتضحيتي.
* تأثّرت كثيرا خلال متابعة تغطيتكِ لإنفجار مرفأ بيروت، وأذكر قولكِ حينها إنها كانت من أصعب تغطياتكِ، ماذا تقولين اليوم بعد مرور عامين على هذه المجزرة؟
– كنت أقوم بتغطية مؤتمر في وزارة الطاقة عند وقوع الإنفجار، وقوة الضربة دفعتنا أمتار إلى الخلف، وتوجّهت مباشرة إلى المرفأ، وكنت من أول الحاضرين، ويا ليتني لم أفعل، دماء في كل مكان، بدلات عسكرية، وثياب مدنية ممزّقة ومنثورة في كل مكان، أهالي يسألون عن ذويهم. توقّفت أكثر من مرّة عن الكلام على الهواء لشدّة ما رأيت من أسى لدرجة أنني قلت إنه كابوس إنها النهاية. لم أنم لأسابيع متواصلة بعد الإنفجار، وأصبحت كالآلة المتحركة، حتى أنني صرت أتفادى المرور من جانب المرفأ قدر الإمكان. واليوم أسأل: لماذا لا ترحمون أرواح الضحايا وتكشفون الحقيقة، مش حرام عليكم؟ بصراحة أنا حزينة لأن العدالة في بلادنا تخضع للمحسوبيات، وأحزن على أرواح الشباب. إنها جريمة مستمرة ولا تتوقف. وأنا مع أهالي الضحايا أن يقوموا بما يشاؤون لبلسمة القليل من وجعهم. ألا يخاف المعنيون من دمعة أم، أو غصّة أب، أو معاناة طفل يتيم؟
* ما هي الصعوبات التي تعترضكِ كمراسلة، وكيف تتجاوزينها؟
– تعترضني الكثير من الصعوبات وخصوصاً أنني في لبنان، فالمراسل إذا لم يكن متمكناً في أدائه يفشل، نحن بلد الأحداث المتلاحقة بامتياز، من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. والصعوبات الكبيرة اليوم هي عند تغطية أي شيء يحصل في الشارع حيث تحدث تشنّجات كثيرة. وفي عملي أستند إلى الوقائع لأن الشائعات كثيرة، وأكثر ما يزعجني هو التثبّت من دقة الخبر وتبيان إذا كان شائعة أو حقيقة، وبالنهاية لا يصح إلا الصحيح. وبالمقابل ليس لدي أي معوقات في عملي، أنا وسطية، لا أتبع لأحد، لدي علاقات واسعة في لبنان وخارجه بحكم عملي في الفضائيات، وأتجاوز ببساطة أي صعوبة، فالسمعة الجيّدة والطيّبة، تدعك تتخطّين أي صعوبة. ولكن بطبيعة الحال عملنا صعب إنما ممتع لمن يحبّه، وأنا أعشق عملي.
*متى تشعركِ متابعة أخبار بعض السياسيين في لبنان بالقرف والنفور؟
– عند إدلائهم بتصاريح رنّانة، أو خلال خلافاتهم العلنية، والمحاصصات الضيّقة، أو عند التمييز العنصري والديني وشدّ العصب. وأسأل نفسي: ألا يتابعون ما يحصل في الشارع ليعرفوا أن المواطن يتعذب؟ مقوّمات الحياة لم تعد موجودة وتتلاشى للأسف، فليساعدوا شعبهم بدلاً من شدّ العصب.
*ما كان أبرز موقف محرج واجهته خلال عملك؟
– أذكر أنني كنت على الهواء في «صوت العرب» خلال الثورة، فركض شاب وقبّلني في جبيني، ولم أعلم حينها كيف أتصرّف، وإذا كان يتوجّب عليّ أن أضحك أو أن أغضب. هناك الكثير من المواقف، ولكنها تبقى في إطار الطرافة، ولم أتعرّض لأي موقف محرج طيلة فترة عملي أي منذ ١٢ عاماً.
*ماذا تكتبين عن شخصيتك في سطور؟
– شخصيتي واضحة، أنا بنيتها بنفسي، هادئة شرط ألا أفقد السيطرة على أعصابي، لا أسمح لأحد أن يستخفّ بوجودي، أحب عملي ولهذا السبب أبني مستقبلي بكرامة ومن دون مساعدة أحد، وأحترم الناس الذين أعمل معهم، وأتعلّم من بعضهم، وأعلم جيداً من نظرة واحدة من يحبّني ومن يغار، ولهذا لا يمكن لأحد أذيتي. تعلّمت الكثير، فأنا عشت وحيدة لفترة طويلة، سواء في لبنان أم خارجه، وأثق بنفسي، وإذا أخطأت أعترف وأعتذر، وإذا لم أخطئ، أدع غيري يعتذر مني بسهولة.
فدوى الرفاعي