الفقر قتل هادي الفنّ وعشرات الأطفال يحاربون للبقاء على قيد الحياة

كتب عيسى يحيى,

دخل الأطفال معترك مواجهة الأزمات التي نعيش إلى جانب أهاليهم، يتقاسمون معهم المسؤوليات لتخفيف أعباء الحياة القاسية التي لا ترحم طفولتهم، وتركت ندوباً في براءة مسيرتهم سيحملونها معهم ذكرى وألماً من العهد القوي الذي لم يترك شيئاً إلا وأضعفه.

عند قدمَيْ هادي الفن، إبن الثلاثة عشر ربيعاً سقطت أبسط مقومات العيش التي كان يبحث عنها بين الخردة، ومعها سقط ما تبقّى من هيبة الدولة التي لم تستطع أن توفر العيش الكريم لأبنائها وما يتطلبه من مسكنٍ وملبس وغذاء وتعليم.

هادي الذي تناثرت اشلاؤه إثر إنفجار قذيفة صاروخية كان قد جمعها مع الحديد والبلاستيك من شوارع بلدة بريتال حيث يقطن وعائلته، أبكت دموع والديه الكثيرين، وزرعت في النفوس حسرةً على الأوضاع التي وصلنا إليها، وبات معها ثمن ربطة الخبز بعيد المنال يلتقطه المعوزون من الطرقات بشق الأنفس.

عشرات الأطفال أمثال هادي في بعلبك الهرمل يعيشون ظروفاً أصعب، باتوا خارج المدارس، يعملون لكسب الرزق القليل علّه يساعد عائلاتهم في تأمين متطلباتهم، يعرّضون حياتهم للخطر مقابل لقمة العيش، يخرجون منذ ساعات الصباح الباكر إلى أعمالهم التي اختاروها ولا تحتاج إلى شهادات أو خبرة، يتنقّل بعضهم بين الحاويات، يحملون أكياساً فوق أكتافهم لجمع الخردة من تنك وحديد وبلاستيك لبيعها ولو بسعر قليل، بعدما ازدهرت هذه التجارة في لبنان إثر الأزمة الإقتصادية التي نعيش منذ سنتين، وآخرون يتنقّلون بين السيارات في الأسواق، يبيعون المحارم والعلكة وأصنافاً متعددة من السكاكر التي لا تحتاج إلى رأسمال كبير لشرائها أو أجسام قوية لحملها طوال النهار.

لم تقتصر مهنة تجميع الخردة على الأطفال السوريين الذين يعيشون في مخيمات النزوح، حيث امتهنها الأطفال اللبنانيون والمجنّسون وأصبحت مهنة الفقراء، ومن ليس لديهم عمل، يرضون بالقليل مقابل تكديس الأرباح من قبل أصحاب البور والتجار الذين يشترون منهم ما جمعوه على مدار الأسبوع بثمنٍ زهيد. ولأن عمل فرد من أفراد الأسرة لا يكفي في هذه المهنة، يخرج م. غ من منزله كل يوم باكراً برفقة ولديه (صبي وفتاة) لم يتجاوز عمراهما العشر سنوات على دراجته النارية، يلتقطون ما تيسّر لهم من النفايات المرمية على جوانب الطرقات، ويعودون إلى المنزل ظهراً لفرز ما جمعوه وضمّه إلى رزق الأيام السابقة، وعندما يصبح “الحمل” وِفق قوله محرزاً، يبيعه إلى صاحب إحدى البور أو إلى تاجر جوال يمرّ عليهم بسيارته كل أسبوع.

م.غ الذي رفض أن نصوره وهو يقوم بعمله، أوضح لـ”نداء الوطن” أن لقمته وعائلته اليوم أكثر من مغمّسة بالدم والتعب، “فاللقمة التي نأكلها عبارة عن خبز وبعض الخضار إن أمكن”، مضيفاً بأن جولته الصباحية اليومية تضم ايضاً جمعه الحطب وما يمكن إشعاله في الموقدة للتدفئة بعدما بدأ البرد والصقيع. وحول مصير أولاده التعليمي يشير الى أنهم لم يدخلوا المدرسة ولا يعرفون حتى كتابة أسمائهم، فقدرته على تسجيلهم في المدارس كانت معدومة، ولا يمكنه تأمين ثمن الكتب والقرطاسية وحتى الثياب والأحذية.

وبين السيارات في سوق بعلبك، يتنقّل عشرات الأطفال ممّن يبيعون بعض السكاكر وغيرها، ينتظرون حركة السير كي تتوقف ليعرضوا بضائعهم على المواطنين، يتوسّلونهم الشراء والدمعة في أعينهم، منهم من يشتري ويدفع اضعاف الثمن من باب التشجيع، والبعض الآخر يدفع لهم ما تيسّر من دون أن يأخذ منهم شيئاً لتنهال عليه الدعوات من الأطفال الباعة.

المصدر:نداء الوطن

 

Exit mobile version