كتب وسام إسماعيل
حين يؤتى على ذكر بلدة #اليمونة الكائنة في قضاء #بعلبك، فإن الذهن يستدعي بداهة الطبيعة السّاحرة والفريدة التي تتمتّع بها، إذ إنّها من أكثر البلدات تميّزاً وفرادة؛ والأهم أنّها تضمّ أكثر من 10 ملايين شجرة و6 أنهر، و84 نبعاً، و1800 نوع نباتيّ يحتوي بعضها على أندر العناصر الكيميائيّة.
ما أن تدخل اليمونة حتى تشعر بكرم أهلها وميزات ضيافتهم. ومن الوهلة الأولى تشعر كأنّك في جنات الفردوس حيث كلّ شيء هادئ وساحر، كأنما الذي لم يزرها، ولم يتنفّس هواءها النقيّ واللطيف بعيداً من الحرّ، ولم يشعر ببرودة مياهها العذبة، “ما شاف شي”.
تقع البلدة المميّزة على السفح الشرقي لملتقى جبلَي المكمل والمنيطرة، وفيها محمية تتميّز من غيرها من المحميّات بغزارة مياهها وأنهارها وبكثرة الآثار الموجودة فيها، بدءاً من الفينيقيّة والرومانية وصولاً إلى العربيّة؛ وفيها أيضاً بقايا قلعة كبيرة كانت مصيفاً للإمبراطور أدريانو، الذي أمر بأن ينقش على صخورها: “أنا الإمبراطور أدریانو أجعل منطقة اليمونة محميّة، وأمنع قطع اللزاب منها”.
تتفرّد محمية اليمونة عن غيرها بوجود ۳۲ نوعاً نباتياً، بيّنت التحاليل التي أجريت عليها في فرنسا أنها تحتوي على موادّ كيميائيّة مجهولة عالمياً، إضافة إلى ثلاثة أنواع نباتيّة طبيّة مهمّة جداً لعلاج سرطان الدم عند الأطفال وأنواع للتخلّص من الحصى والرمل الكلويّ. وإضافة إلى شجر اللزاب الحرجيّ الوافر بأنواعه وأعداده (2000000 شجرة تقريباً) هناك أنواع نادرة من الأسماك، منها السمكة الذهبية أو سمكة اليمونة التي تنفرد بها المحميّة.
تقع المحمية غرب مدينة بعلبك على السفح الشرقي لملتقى جبل المكمل والمنيطرة، وتبعد مسافة ٢٥ كلم، على ارتفاع 1500م و3000م فوق مستوى سطح البحر. وبالنظر إلى خريطة لبنان الجغرافية، نرى أن المحميّة تتوسّطه. تقدّر مساحتها بـ510 هكتارات، أي خمسة آلاف ومئة دونم، ممّا يجعلها أكبر المحميّات الطبيعيّة في لبنان.
أظهرت الدراسات أن منطقة اليمونة من أفضل المناطق صحيّاً وبيئيّاً… فإضافة إلى الهواء النقيّ غير الملوّث، هناك المياه العذبة الغزيرة التي تجعل البلدة أكبر مجمع للمياه في الشرق الأوسط بفضل الصّدع الذي يمرّ فيها، فتغذّي عدة مناطق وينابيع، منها العاصي والليطاني وأفقا وقاديشا، فيما تتسرّب كميّات من المياه إلى البحر.. وهذه المعلومات تمّ إثباتها في العام 1989 من قبل بعض رواد الفضاء في محطة “میر” الروسيّة عندما قاموا بدراسة جيولوجيّة للبنان وسوريا.
وتتميّز مياه اليمونة ومنطقتها بأنها صالحة للشرب وللتعبئة من دون أيّة معاملة كيميائية. بعض البرك درجة حرارتها 7، وبعضها أقلّ من 2 صيفاً وشتاء، وهي لا تنقص أو تزيد. أمّا منطقة اليمونة فتعتبر مصيفاً جيّد جداً، وتتميّز باعتدال الحرارة صيفاً (٢٨ درجة)، وباردة شتاء، حيث تصل إلى حدود ۲۰ درجة تحت الصّفر. وتتساقط الثلوج بطريقة كثيفة جداً فيها.
تحتوي اليمونة على أهمّ معبد مائيّ في لبنان (معبد روماني) في نهري الحوض والأربعين. فنهر الحوض كان يحتوي على آثارات كثيرة ثم بتأثير الزلازل وعوامل التعرّي والانهدامات طمرت مساحة كبيرة منه. ومنذ سنتين تقريباً، تمّ العثور على تمثال «مينرفا» في نهر الأربعين، ونقل إلى متحف قلعة بعلبك، وهو يمثل امرأة تجلس على كرسي قائم فوق لَبوَتين. ويُعتبر هذا التمثال من أهمّ التماثيل المكتشفة. أمّا المعبد الذي اكتشف فيه التمثال فكان مصيفاً للإمبراطور أدريانو، حيث توجد آثارات عربيّة وفينيقيّة، ولا يزال البرج موجوداً في منطقة نبع البرج، وما تزال بقاياه شاخصة حتى الساعة.
توجد في اليمونة كنيسة تعود إلى العهد البيزنطي، تمّ ترميمها من قبل السكان الذين يعتزّون بها، لكونها تمثل أولاً دار عبادة، وتعتبر ثانياً نقطة أثرية مهمّة، ونقطة التقاء للطوائف التي تزورها، ولقد تمّ بناؤها على شكل عقد مماثل لكنيسة سيّدة حريصا.
يتوسّط البلدة عدد كبير من المقاهي التي تحيطها المياه من كلّ الجوانب، وتقدّم أشهى المأكولات، لا سيّما سمك السلمون، وبأسعار تناسب عموم المواطنين، نتيجة كرم أهلها.
المصدر:النهار