ودّعت زحلة ابنها العصامي المرحوم جوزف جورج غرة في مأتم مهيب حيث ترأس الصلاة لراحة نفسه في كاتدرائية سيدة النجاة، رئيس اساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم ومشاركة لفيف من الكهنة، بحضور النائبين جورج عقيص وسليم عون، الوزير السابق خليل الهراوي، رئيس بلدية زحلة المعلقة وتعنايل المهندس اسعد زغيب، رئيس تجمع الصناعيين في البقاع نقولا ابو فيصل وأعضاء من التجمع، رئيس جمعية المصارف في لبنان سليم صفير، عائلة الفقيد والأصدقاء والمحبين.
ورثا المطران ابراهيم الراحل الكبير في كلمة وجدانية فقال :
” في عيد انتقال السيدة العذراء بالنفس والجسد من الحياة الى الحياة الى السماء التي إليها انتقل المرحوم جوزف من عندنا ليكون في أحضان السيدة العذراء التي أحبها وأحبته، فكانت له العزاء على هذه الفانية كما هي اليوم في السماء.
حبُّهُ المريمي لم يكن باقةً من عواطف، بل حياة. والحب هو مُبدعُ الحياةِ عند المُدركين أن من لا يحب لا يحيا. لذلك عاش جوزيف معلنا مع القديس بولس: “حياتي هي المسيح والموت ربحٌ لي”. هذا الاعتراف ردده رسولُ الأمم عندما كان يواجه الموت. نحنُ المؤمنين نتخذ ما قاله بولس شعاراً لنا، مدركين أننا لا نعبُر إلى الحياة إلا من بوابة الموت. هكذا يصيرُ الموت رِبحا حينما يقودُنا بيده إلى قلب الحياة التي هي الله.
الموتُ رِبحٌ: ذلك يعني أنني في الموت أحيا، لأن بزرة الحياة التي زرعها الله فيَّ، يلُفها الموت بسواده كما يلف التراب حبة القمح التي تموت لتحيا وتنمو وتثمرُ أضعافا في الضوء والنور.
الموتُ رِبحٌ لي: ذلك يعني أن لا شيء قادرٌ أن يبتلعني إلى الأبد وفي الفناء يُسكنني. فموطني هو الطاقة الخلاّقة التي لا تتوقفُ عن الإبداع بجِبلات الجمال الذي كلما وُلد من يدِ الله يرى اللهُ أنه كان حسنا.
“حياتي هي المسيح” يعيشها اليوم جوزيف. بتسابيحَ وأناشيدَ وتضرعاتٍ سماوية لا تنقطع ولا يغزوها الملل. فالسماء اندهاشٌ أبدي ومشاهدةٌ لا خواتيم لها ولا نهايات. لأن الخواتيمَ تُختَمُ بالموت والنهاياتُ بهِ تصيرُ بداياتٍ تحيا إلى الأبد.
هناك لا ينقطعُ ترنيمُ المرنمين ولا يقهرُنا ظُلمٌ، ولا يتسلطُ علينا طغاةٌ. نحيا في قلب الحرية والسلام ونُزهر من عُمق الطهارة والقداسة. حُلمُنا بالراحة يصير واقعَنا الجديد في المدينة الباقية، التي ليست من صنع الناس. فالأرضُ جديدة والسماء جديدة وكلُّ شيء فينا حيٌّ وجديد.”
واضاف ” وزحلة التي فيها نتذوق بعضاً من سماءٍ أنبتت قاماتٍ عاليات مثلَ جوزف القامة التي عرفتموها رمزاً للشهامة والإباء. نودعه اليوم منها ومن خَصبِ كرومها إلى كرم الرب والموسم الأزلي.
المرحوم جوزف هو ابن زحلة مولود فيها سنة 1933، شرب من نهرها العزة والكرامة والرجولة، ومن شرقيّتها نهل العلم وانطلق في عالم الصناعة فحلّق عالياً حاملاً لبنان الى كل العالم من خلال شركة يونيسيراميك. كان من الرعيل الأول الذي اسس الصناعة اللبنانية وآمن بلبنان ملتقى للشرق والغرب.
شغل المرحوم جوزف منصب نائب رئيس جمعية الصناعيين في لبنان، كما تولى رئاسة بلدية زحلة المعلقة من 1991 ولغاية 1998 في اصعب الظروف التي مر بها لبنان، فأدار شؤونها بتفانٍ وشفافية تاركاً بصمته في البشر والحجر، ولا ريب عندي أن الناس كانوا يحبونه لصدقه ودماثة أخلاقه. وسرُ هذه المحبة أنه كان قريبا من الله ومن السالكين في البِرِّ والاستقامة.
أجملَ ما عنده كان تفاؤلُه بمستقبل لبنان رغم كل الصعاب والمحن، وكم نحن بحاجة اليوم الى صناعيين يبثُّون فينا رجاءً وأملًا بوطن يليق بالإنسان، ويساهمون في ترسيخ الوحدة الوطنية.”
وختم المطران ابراهيم ” بغياب المرحوم جوزف تخسر زحلة وكنيستنا الرومية الملكية وابرشيتنا علماً من اعلامها، ويخسر لبنان رُكناً صناعياً قلّ مثيله في يومنا الحاضر.
معكم أيها الأحباء نودع هذا الفقيد الراحل الغالي، بصلوات الكنيسة المقدسة والمعزية ونردد معها: “مغبوط السبيل الذي تسير فيه اليوم، فقد أعد لك مكان الراحة”. ومع القديسين نقول: “أرح أيها المسيح الاله نفس عبدك جوزف” حيث لا وجع ولا حزن ولا تنهد.
باسمي الشخصي وبإسم الكهنة وأبناء وبنات أبرشيتنا نعزي عائلة الفقيد الكبير والأقارب والأنسباء. نسأل الله أن يتغمده في ملكوته السماوي.المسيح قام”
وفي ختام كلمته اعلن المطران ابراهيم عن مبادرة جمعية الصناعيين في البقاع الى اطلاق “جائزة جوزف غرة للإبتكار الصناعي” بالتعاون مع جامعة القديس يوسف.
ووري جثمان الفقيد في مدافن العائلة.