كتبت لوسي بارسخيان،
بعد جبيل، البترون، جونيه، بولونيا وضهور الشوير، حطّت «ليالي النبيذ والعرق» لسنة 2022، في منبع الكرمة اللبنانية والمصدر الأول لجميع مصنّعيها، زحلة. فاستضافت مدينة الشعر والخمر بقلبها، وسط ساحة شهداء المدينة، مصنِّعي العرق والنبيذ من مختلف أنحاء لبنان، ليوجّهوا منها رسالة صمود ومثابرة مستمرة للنهوض بالقطاع، على رغم كل الظروف الصعبة التي تعيق مسار هذه الصناعة منذ ابتلي العالم بجائحة «كورونا»، والتي جاءت في لبنان معطوفة على أزمة إقتصادية إنعكست على القطاعات الإنتاجية عموماً.نظّمت المهرجان جمعية تجار زحلة بالتعاون مع المعهد الوطني للكرمة والنبيذ والإتحاد اللبناني للنبيذ وبرعاية من مدير عام الزراعة لويس لحود، الذي أعلن أن عدد المعامل التي إلتزمت بالمواصفات وتسجّلت في وزارة الزراعة بلغ 61 معملاً على مختلف الأراضي اللبنانية. حيث ذكر مدير عام معهد الكرمة ظافر الشاوي أن «قرابة نصف هذه المعامل تحتضنهم زحلة والبقاع، كما تحتضن المساحات الشاسعة من كروم العنب، وهذا ما يعطي المنطقة موقعاً غالباً في عالم النبيذ اللبناني لأنها تحتضن كرومها وكروم المنتجين من كل الأراضي اللبنانية»، وهو ما أكّدته أيضاً رئيسة اتحاد النبيذ بلبنان ميشلين توما معتبرة أن «زحلة هي عاصمة الكرمة بسهل البقاع، وهي أقدم وأكبر منطقة لصناعات مشتقات الكرمة بلبنان، وتضم أكثر من 80 بالمئة من الكروم المزروعة لصناعة النبيذ».وكان قطاع إنتاج العرق والنبيذ خصوصاً قد شهد على نهضة كبيرة قبيل جائحة «كورونا»، ما سهّل تناقل الصناعة بين الأجيال مستقطباً عنصر الشباب خصوصاً، فعزّز هؤلاء الخبرة بمعرفة إضافية سهّلت إختراق منتجاتهم في الأسواق العالمية. ولم يتردّد بعضهم أيضاً بوضع إستثمارات جديدة بالقطاع على رغم المخاطر. وقد أدّت المنافسة بين المنتجين الى تطوّره جودةً ونوعية كما أشار الشاوي، «بحيث بلغت كمية الإنتاج نحو 10 ملايين زجاجة سنوياً، القسم الأكبر منها كان يصدّر للخارج، فأصبح النبيذ اللبناني يضاهي أشهر الأنواع في العالم».وعلى رغم تراجع هذا الزخم بسبب «كورونا» والأزمة الإقتصادية العالمية، لا يزال الكثير من المنتجين يؤمنون بالدور الإقتصادي والسياحي الذي يمكن أن يؤدّيه قطاعهم، لا بل هم يبذلون الجهد ليحافظوا على مكتسباته، خصوصاً من خلال مراعاة أذواق جيل الشباب اللبناني، الى جانب أذواق المغتربين والأجانب، بما يسمح بالحفاظ على هذه الصناعة التراثية وخصوصاً بالنسبة للعرق اللبناني، وإنما مع محاولة تكييفه مع نمط حياة الشباب القائم على السهر في الحانات والملاهي الليلية. ومن هنا أصبح واضحاً أن خلطة العرق «اللبناني» الممزوج بنكهات أخرى تحول نزعة معتمدة من قبل معظم المنتجين، الذين أضفى تنافسهم على إنجاح المعرض حيوية أكبر عليه.
وترتبط صناعة العرق والنبيذ زحلاوياً بذاكرة شعبية، لا يزال الكثيرون يتداولون قصصها، وخصوصاً عندما كانت الكركة تختبئ بزوايا المنازل في الأحياء وعلى أدراج المدينة، وكان التحلّق حولها أشبه بالإلتقاء في الحانات والملاهي بأيامنا الحالية.ومن هنا بدا تنظيم المعرض في زحلة تحديداً ذا أهمية خاصة، تتخطى الأهداف الإقتصادية التي تسعى لإعادة تفعيل هذا القطاع وتأمين أسواق إضافية له في الخارج والداخل، وتعوّل خصوصاً على الزحليين واللبنانيين المنتشرين في مختلف أنحاء العالم. وإنما هي مرتبطة بهوية المدينة التي قال رئيس بلديتها أسعد زغيب إنها «أساس صناعة العرق والنبيذ، وهي البيئة الحاضنة لهذا النوع من الصناعات، وهذا ليس سوى نتيجة لارتباط هذه الصناعة بالتركيبة الإجتماعية والإقتصادية لمدينة زحلة».وتوافق كل من زغيب ورئيس جمعية تجار زحلة زياد سعاده على ضرورة التكاتف وتشابك الأيادي والجهود لرفع شأن المدينة في هذا الإطار. إذ رأى سعاده «أن اقتصاد المدينة الذي ينحصر بين الوسط التجاري والبردوني هو اقتصاد أعرج، ويجب أن تكون هناك رؤية إقتصادية للمدينة تتحول رؤية تنموية مستدامة تعتمد على التكامل بين كل القطاعات والمكونات وتشمل الأحياء».ودعا سعادة «الى التوجه نحو صناعة سياحة النبيذ والعرق، ونحو تحويل كروم وبيوت زحلة القديمة لمشاريع ناشئة منتجة تشجّع السياحة البيئية ضمن فنادق ومطاعم نموذجية منتشرة في كل الأحياء»، مشدداً على أنه «إذا تكاتفنا يمكننا تحويل زحلة مدينة نموذجية بخطة توجيهية شاملة نحافظ فيها على كرومنا وندعم أحياءنا بالسياحة وبالحرف الصناعية».
#نداء الوطن