السائقون ينتظرون عجيبة تُنقذ البلد: خلاصنا من خلاصه

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،

بين طلوع الدولار ونزوله، وجدول المحروقات الذي اصبح متبدلاً بالساعات، وغزو “التوك توك” شوارع البقاع، تجد فئة سائقي فانات نقل الركاب نفسها عرضة لتهميش متفاقم، دفع بالكثيرين للتوقف عن العمل، بعدما تبين لهؤلاء أن بطالتهم أقل ضرراً إقتصادياً عليهم من تسيير فاناتهم لنقل الركاب على الطرقات.

يتجمع مجموعة من سائقي الفانات في ساحة شتورا، حيث ينتظر كل منهم إكتمال نقليته ليسير الى بيروت. تشكل هذه الساحة نقطة استراتيجية بالنسبة للعاملين في النقل، ليس فقط لكون شتورا محطة أساسية للقادمين من مختلف أنحاء البقاع ومن البلدان العربية، إنما أيضا بسبب الحيوية التي تخلقها محلات الصرافين المرخصة وغير المرخصة التي تتجمع في ساحتها، ما يجعل السائقين في بعض الأحيان يشعرون بأنهم يعومون في بحر من الأموال، التي لا يطالهم منها سوى فتاتها.

في هذه الساحة إلتقينا بالأمس مجموعة من سائقي الفانات، حيث كانوا يراقبون الناس كالعادة، وهم يتهافتون على محلات الصرافة، بعدما إرتفع سعر الدولار صباحا الى 35 ألف ليرة وما فوق.

يقول احدهم لـ”نداء الوطن”: “المؤسف أننا نرى البعض يفرح لإرتفاع سعر الدولار، وتكون فرحته “قرعته” عندما يحقق أرباحاً لا تتخطى أحيانا المئة الف أو حتى أكثر، فيما سعر صفيحة البنزين تجاوز الـ 600 الف ليرة والمازوت كذلك”.

بالنسبة لهم إرتفاع سعر الدولار يعني إرتفاعاً موازياً لسعر صفيحة المازوت، التي تحتسب بالدولار الأسود أو الطازج فيما تشكل هذه المادة المشغل الأساسي لفاناتهم، وقد إرتفعت تسعيرة إنتقال الراكب فيها الى بيروت لسبعين ألف ليرة، وإنما من دون أن يكون هذا البدل كافياً لسد نفقات المشوار، وتأمين عيش رغيد لعائلة سائقه.

يقول أحدهم “نحن نتعامل مع فئة الناس المعترة مثلنا. أي أن الفان هو وسيلة الإنتقال المعتمدة من قبل الفقير. وإذا لم نراع إمكانيات الناس، معناها أننا سنخسر مورد رزقنا مع الوقت، وخصوصاً بعدما غزت “التيك توك” الشوارع كوسيلة نقل اقل كلفة على المواطنين، والتي لا يتردد البعض في إعتمادها لرحلاته الطويلة، حتى لو كان ذلك محفوفا بمخاطر جمة على سلامته”.

يوضح احد السائقين ايضا بأنه “بتنا اليوم ننتظر ساعات طويلة حتى تمتلئ مقاعد الحافلة بعدد ركاب يجعل رحلتنا من دون خسارة. وهذا ما جعل الكثيرين يملون من هذه المهنة. فتركوا فاناتهم لأصدقاء لهم كي يشغلوها، أو حتى باعوها بخسارة، وإنصرفوا ليفتشوا عن رزقهم في مكان آخر، بحيث تراجع عدد الفانات التي لا تزال عاملة بانتظام على خط شتورا – بيروت الى 13 حافلة فقط، بينما كان العدد في السابق 60 حافلة، ولم تكن تكفي الركاب احيانا”.

وعندما نسأل عن السبب خصوصا ان الإنتقال بالفان لا يزال أقل كلفة من التنقل بالسيارات السياحية أو الخاصة، يشرح احدهم انه “في السابق كان ملء حافلة ب13 راكبا سهلاً جدا، كون معظم الزبائن من العاملين في السلك العسكري، أو موظفين برواتب متواضعة. ولذلك كان كل صاحب فان قادراً على ملء حافلته أكثر من مرة في اليوم، ما أمن دخلاً محترماً سمح له بالعيش مع عائلته بكرامة. أما حاليا فإن معظم الركاب هم من المواطنين السوريين وهؤلاء تحركاتهم محدودة نسبيا ولا يتنقلون بين المناطق سوى للحاجات القصوى فيما عناصر الجيش والقوى الأمنية يحاولون أن يقتصدوا من نفقات التنقل معتمدين أسلوب “الأوتوستوب”.

يكاد الإهمال اللاحق بمعظم الحافلات التي التقينا أصحابها يكون عنواناً لهذا التراجع في قدراتهم الإقتصادية. فبعض هذه الحافلات تسير من دون مرايا تعكس السيارات الخلفية وبلا إشارات ضوئية وحتى بإطارات مهترئة، مما يعني تلقائيا أنها لا تمر على المعاينة الميكانيكية. فيما يقول البعض أنهم باتوا “لا يصلحون في الحافلة إلا ما يمكن أن يتسبب بتعطلها الكلي، وهم يقتصدون حتى في تغيير فيلتر الحافلة وزيتها بالوقت المناسب، ويحاولون إستهلاكهما بقدر ما تسمح الظروف”.

ولكن على رغم كل محاولات التوفير بكلفة المشوار، يأتي عدم إستقرار سعر صفيحة المازوت، وغلائه الفاحش، على كل ما إستطاعوا توفيره من كلفة تشغيل حافلاتهم على الخط.

لا يرى العاملون في مهنة نقل الركاب بالفانات في المقابل أي أفق لمستقبل أفضل. وأملهم الوحيد كما يقولون “عجبية تنقذ هذا البلد، فيكون خلاصهم حينها من خلاصه”.

Exit mobile version