كتبت لوسي بارسخيان،
يكاد التوتر يكون سمة ترافق يوميات أهالي البقاع من شماله إلى جنوبه. فالمشكل، أكان كبيراً أم صغيراً، يبدو وكأنه ينتظر على الباب، وأخبار الجرائم وضحاياها تكاد تتحوّل تعداداً يومياً، حتى أنّها تمرّ أحياناً من دون استهجان أو حتى إدانة لمرتكبيها، في وقت تتعاظم نزعة لدى الكثيرين لانتزاع حقوقهم بأيديهم، فيما الأجهزة الأمنية تعمل باللحم الحيّ، بغياب البوصلة التي يشكلها القضاء المعتكف عن العمل حتى الآن، ليزيد الطين بلّة في زنزانات المخافر وقد بات إكتظاظها مجافياً لكل معايير الإنسانية، ما يضطر عناصر المخافر وضباطها للعمل كسعاة صلح في المشاكل الصغيرة التي تقع، تجنباً لمزيد من التوقيفات في المخافر، حتى لا تتحوّل بدورها عبئاً إضافياً على الأجهزة الأمنية وعناصرها.
يوم أمس كان أيضاً إمتداداً لهذا الجوّ المشحون بالتوتر في منطقة البقاع. فبين ردّة الفعل التي خلّفتها جريمة مقتل مواطن لبناني على يد آخر سوري في بلدة الكرك بضواحي مدينة زحلة ليل الثلاثاء، ومشكل على أحقيّة الإحتفاظ بـ»كيوسك» لبيع القهوة والخدمات السريعة في منطقة جلالا التي تقع بين تعلبايا وشتورا، وقعت الطريق الممتدّة من الكرك الى شتورا تحت تأثير بركان من الغضب. حاول الجيش اللبناني التدخل في بدايته لمنع تداعيات شبّان تجمّعوا على مستديرة الحمرا بلازا متوعدين كلّ سوري يمرّ على الطريق، كردّة فعل على مقتل مواطن من بلدتهم. فيما تدخّلت القوى الأمنية في مشكل «الكيوسك» لمحاولة فضّه بسلام، بعدما تجمّعت مجموعة من النسوة بداخله رافضات إزالته من المشاع العام. وبين النقطتين، إزداد القلق لدى المواطنين العابرين، والضغط اليومي الذي يعانونه يومياً جرّاء هذه الإشكالات التي تعترض طرقاتهم وتزيد من مشقات التنقل عليها، وهم مدركون تماماً أن وقع بعض الحوادث يخفي أحياناً ناراً تحت الرماد، لا أحد قادر حتى الآن على تحديد ساعة انفجاره.
وبالعودة الى جريمة الكرك التي وقعت ليل الثلاثاء، فقد جاءت بعد ساعات فقط من الجريمة التي إرتكبت على طريق عام بعلبك ـ يونين المؤدية الى بلدة عرسال وذهب ضحيتها أحد أبنائها. تتناقض الروايات التي أدت الى المشكل بين أشخاص لبنانيين وآخرين سوريين، إلا أن نتيجتها كانت مقتل اللبناني حسن حسين طراف بطعنة سكين قيل إنها سددت إليه من قبل المواطن السوري م.م.د.أ، فيما أصيب خلال المشكل أيضاً إبنه الذي ذكر أنه طعن بسكين والدة قاتل والده.
بمجرد سقوط قتيل لبناني على يد مواطن سوري توترت الأجواء في المحلة، ما استدعى تدخل الجيش اللبناني، والذي ضاعف جهوده في اليوم التالي لمنع تسلّل ردّات الفعل الى طريق عام الفرزل – زحلة، حيث تجمّعت مجموعة من الشبان أمام مستديرة الحمرا بلازا، وإعتدوا على أحد المارين بسيارته والذي ذكر أنه سوري الجنسية.
هذه الجريمة وإن خلّفت قلقاً أكبر في المنطقة إلا أنها لم تكن الوحيدة. فقبلها بساعات كانت وسائل التواصل الإجتماعي قد تداولت خبراً عن وفاة الفتاة ش.م.ي. بطلق ناري. وهي من مجنسي منطقة البحصاصة في بلدة قب الياس ومن مواليد سنة 2008. الخبر كاد يمر كحادثة عادية من دون التوقف عند تفاصيلها، بل إكتفي بذكر طريقة مقتل الفتاة بطلق ناري إخترق رقبتها ليخرج من جهة صدرها، لولا بعض الخيوط التي كشفها التحقيق والتي لا تستبعد فرضية القتل عمداً، بانتظار إستكمال التحقيقات بعد عملية دفنها.
هذه الإشكالات وإن جاءت متزامنة، فقد سبقتها جرائم لا تقل خطورة قبل أيام أيضاً، أبرزها عملية ثأر ذهب ضحيتها شخصان في بلدة الفاعور شرق منطقة زحلة. وهي جميعها جرائم قتل نفّذت بدواعي إنتزاع الحق بالأيدي، بصرف النظر عن دوافعها التي تتنوّع بين جرائم الشرف أو بهدف السرقة أو حتى الثأر القديم.
وإذا كانت الجريمة تأتي في أعلى قائمة الإرتكابات الخطرة في هذه المنطقة، فإن القائمة تستكمل بجرائم من نوع آخر تتكرّر يومياً، من خطف، ومحاولة سلب وتشليح وسطو على المنازل، الى إعتداءات على مؤسسات عامة وخاصة ومن ضمنها شركة كهرباء زحلة، وكلّها حوادث تنبئ بأجواء أكثر تشنجاً تتجه إليها منطقة البقاع، التي تعاني بالأساس تراجعاً لسلطة الدولة وهيبتها الى حد إفتقاد هذه الهيبة كلياً في بعض الأحيان.
هذا في وقت يراكم إعتكاف القضاة، ملفات المواطنين العالقة في أقبية قصور عدلها، والتي تذكر مصادر قضائية أن ما يفاقم من تراكمها هو مشكلة النزوح السوري، والإشكالات اليومية في مجتمعاتها، والتي تعتبر أنها باتت تحتاج الى جهاز قضائي موازٍ لذلك الموجود حالياً، حتى ينجز كل الملفات العالقة.
#نداء الوطن