آلاف الدعاوى في “الخاصة” بسبب الأقساط ونزوح منها وإليها

كتبت لوسي بارسخيان،

في نموذج عن القلق الذي يلازم أهالي التلاميذ المسجّلين بالمدارس الرسمية على أبواب انطلاق العام الدّراسي، تحاول والدة لتلميذين في زحلة، أحدهما في المرحلة المتوسطة والثاني في المرحلة الثانوية، أن تحصل على إجابات مطمئنة حول ما ينتظر ولديها المتفوّقين دراسياً من عامهما الدراسي المقبل، بعدما إضطرّت منذ العام الماضي إلى نقلهما من مدرستهما الخاصة التي كبرا فيها، الى أقرب مدرسة رسمية لمنزلها، مرغمة تحت عبء أوضاع إقتصادية متردّية، جعلتها وزوجها يعيدان ترتيب الأولويات حفاظاً على ستر منزلهما.

تأقلمت هذه الوالدة مع فكرة استحالة التخطيط لمستقبل بعيد الأمد لولديها، ولكنّها تبقى مصرّة كما تقول على ضرورة أن يكملا العلم الذي تعتبره «سلاحاً وحيداً بأيدي الفقراء». وما تخشاه أن يتبدّد طموحها الوحيد لأولادها، أو أن تكون قد ارتكبت غلطة عمرها عندما قصدت المدرسة الرسمية كبديل. تؤكد الوالدة أن ذلك ليس تقليلاً من شأن المدرسة الرسمية، إنما نتيجة للتجربة المرّة التي إختبرتها مع ولديها بسبب تعطل العام الدراسي بمعظمه في العام الماضي، ليبدو أن كلّ ما تتمنّاه حالياً هو تقليعة طبيعية لعامهما الدراسي الحالي، يعوّض على تلاميذ المدارس الرسمية ما فاتهم سابقاً.

حمّلتنا الوالدة هذه الهواجس، على أمل أن نعود إليها مع بعض الإجابات المطمئنة. ولكن هذه ليست الحال طبعاً. فلا أحد من العاملين بقطاع التعليم الرسمي يحمل الضمانات لانطلاقة طبيعية للعام الدراسي. ومع أن باب تسجيل التلاميذ الجدد سيفتح لهم إبتداء من 15 أيلول حتى أجل غير محدد، ليست ثمة مؤشرات على تسرّب مدرسي كبير سيشهد عليه القطاع الرسمي على حساب القطاع الخاص. لا بل على العكس تتوقّع مصادر تربوية مزيداً من انتقال تلاميذ المدارس الرسمية الى الخاصة، وهو تحديداً ما حصل في مدارس البقاع العام الماضي كما تؤكد المصادر، كنتيجة لتعثر العام الدراسي منذ انطلاقه، حيث تراجع عدد التلاميذ المسجلين في المدارس الرسمية وفقاً لهذه المصادر، على رغم تحويل طلبات لنحو ألف تلميذ الى المجالس التحكيمية، لفضّ خلافاتهم مع إدارات المدارس الخاصة وقد عجزوا عن تسديد الأقساط لها.

من نزحوا هم من أعدموا فرصة لتسديد الأقساط المدرسية إذاً، وتؤكد المصادر أنه خلافاً لكلّ ما يقال، لا ينزع الأهالي لنقل أولادهم الى المدرسة الرسمية، وهو ما توضحه أرقام التلاميذ التي تزايدت في المدارس الخاصة بالعام الماضي، خصوصاً أن قسماً كبيراً من هؤلاء سدّدت أقساطهم من خلال مساعدات إجتماعية، أو حتى حزبية وسياسية، تسلّلت بأموالها الى المدارس لكسب المؤيدين في الانتخابات النيابية، فيما أعداد التلاميذ في المدارس الرسمية تراجعت، لسبب رئيسي يرتبط بالحركات الإحتجاجية التي رافقت العام الدراسي منذ بدايته، طلباً لتصحيح أوضاع الأساتذة وإنصافهم معيشياً.

إلا أنه لم يسبق لأهالي البقاع أن شعروا بوهن بدايات العام الدراسي كما هي حالهم في هذه الأيام. وإذا كان الفريش دولار يشكل نقطة الخلاف الأساسية بين لجان الأهل في المدارس الخاصة وإداراتها، فإنّ انعدام مقومات صمود المدرسة الرسمية يبدو تهديداً جدياً لأكثر من 22 ألف طالب رسمي في المرحلة المتوسطة في محافظة البقاع وعدد شبيه من التلاميذ السوريين، الذين قد يجدون أنفسهم من دون مدرسة هذا العام، ولأسباب موضوعية تنطبق على القطاع التعليمي الرسمي في مختلف الأراضي اللبنانية.

تؤكد مصادر تربوية أن تعطيل العام الدراسي لا يأتي هذه المرة كتعبير عن رسالة إعتراضية من الأساتذة والعاملين في القطاع التربوي الرسمي، وإنما بات يتعلق بانعدام الإمكانيات لانطلاقة سهلة للعام الدراسي. لتبدأ هذه المصادر بتعداد العقبات بدءاً من النفقات التشغيلية للمدارس، في ظل التقنين الكهربائي المفروض، والإرتفاع الفاحش لفاتورتها في الأماكن التي تتوفّر فيها الكهرباء، الى نفقات المازوت التي ستحتاجها إدارات المدارس، والتي لا يمكن التخلي عنها في منطقة باردة كالبقاع، فيما كلفة تدفئة التلاميذ فاقت بأضعاف إمكانيات صناديق المدارس. علماً أنه في بعض المدارس حتى لو كان إحتياطي صندوقها يمكن أن يغطي نفقات الجزء الأول من العام الدراسي، فإن سقف سحب الأموال من المصارف لن يسمح لها بذلك.

هذا بالإضافة إلى انهيار قيمة رواتب الأساتذة والعاملين في القطاع التربوي العام، والذين على رغم الوعود بالتعويض عليهم ببدلات النقل، فإنهم لم يتقاضوا أيّا منها منذ شهر كانون الثاني من العام الجاري. فيما المساعدات الاجتماعية التي أقرّت للعاملين في القطاع الرسمي، تصرف من دون آلية واضحة وهي لا تؤمّن بالتالي الإستقرار المعيشي الذي ينشده الأساتذة.

ومن هنا تقول المصادر إنه رغم اتّخاذ القرار على مستوى الوزارة المعنية بتأمين كافة تسهيلات إنطلاق العام الدراسي، فلا أحد يملك إجابة شافية حول ما إذا كان هذا العام سيكون هناك تعليم رسمي أم لا. وللمسألة إرتباط أيضاً بقدرة الأساتذة كما التلاميذ على بلوغ مدارسهم بسبب الإرتفاع الفاحش لكلفة النقل. علماً أن دوائر منطقة البقاع التربوية تشهد في الأيام الماضية تهافتاً كبيراً من الأهالي الذين يحاولون الإستحصال على إفادات تسمح بنقل أولادهم الى أقرب مدرسة لأماكن سكنهم. وهذا على ما يبدو سيبقي مصير التلاميذ في 87 مدرسة رسمية متوسطة في محافظة البقاع و28 ثانوية غامضاً حتى بداية العام الدراسي.

المصدر: نداء الوطن

Exit mobile version