كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
من يراقب حركة المصلحة الوطنية لنهر الليطاني منذ ما قبل الأزمة اللبنانية، يلاحظ استمراراً في متابعة قضاياها، ومثابرة تغيب هذه الأيام عن معظم المؤسسات ذات الطابع الرسمي، تحت ذرائع مختلفة. فتُلمس محاولات متكررة، ولو باللحم الحي، للحفاظ ولو على جزء من حضور، يمكن أن يستفز مؤسسات أخرى ويحفزها على القيام بواجباتها.فالمصلحة التي باتت تشكل أحيانا مصدر الطاقة الوحيد المتوفر في لبنان عبر معاملها الكهرومائية الثلاثة، تصدر يومياً البيانات والتقارير حول كافة التفاصيل المتعلقة بعمليات الإنتاج من خلال معاملها الثلاثة. تعلن بشكل مستمر عن المخزون اليومي لبحيرة القرعون. تلاحق بشكل استقصائي مكثف عمليات المخالفة المتكررة ضمن املاكها الممتدة على طول مجرى نهر الليطاني. تكشف التعديات والمعتدين وتفضحهم بالأسماء، وتسعى لملاحقتهم سواء أكانوا أفراداً أم هيئات ومنظمات وجماعات. وتتتبع أحوال المكبات ومحطات التكرير، ومصادر التلوث الناتجة عن المعامل، وصولا الى إقتراح الحلول وتسهيل بعضها، والى غير ذلك من الجهود. وكل ذلك في محاولة لمنع مزيد من الإستنزاف لليطاني وبحيرة القرعون، بما يسمح بإعادة إستخدام مواردهما بشكل أفضل، بعد أن نجحت المصلحة نسبياً وعلى رغم الظروف الصعبة والفلتان الذي عانته لسنوات طويلة، من فرض معايير واحدة، حدت وإن بشكل جزئي من التلوث الناتج عن المصانع تحديداً، بانتظار اكتمال خطط الوزارات المعنية والمشاريع التي تكفّل بها مجلس الإنماء والإعمار لإقامة محطات التكرير على مجمل مجرى النهر، ورفع أقنية الصرف الصحي التي ساهمت الدولة نفسها بانتشارها عليه.ولكن كيف تتجاوب الجهات التي تراسلها المصلحة في المقابل مع جهودها، وما مدى تفاعلها مع الكتب المرسلة اليها بشكل دوري من قبلها؟ سؤال طرح نفسه بعد ثلاثة ملفات وكتب راسلت بها المصلحة الوزارات والإدارات المعنية خلال الأسابيع الثلاثة الماضية، فتقصينا حول تطوراتها مع مديرها العام سامي علوية، الذي كشف ما يلي:بعد أن أصدرت المصلحة مؤخرا تقارير وثقت بالأرقام واقع المخالفات المرتكبة من قبل مخيمات النازحين على مجرى نهر الليطاني من خلال الأعداد الكبيرة للمحلات التجارية، والمزارع، والمزارب المخصصة لتجارة المواشي التي نشأت فيها، وجهت كتباً الى كل من وزراء الداخلية والشؤون الاجتماعية والعمل، والمديرية العامة للأمن العام والمديرية العامة لقوى الامن الداخلي، لمطالبتها باتخاذ الإجراءات المناسبة وفقا لاختصاص كل جهة.بحسب علوية متابعة الموضوع لدى الجهات المعنية أثمر «إجتماعاً بين وزير الشؤون الاجتماعية ووزير الخارجية، أرسل على أثره الأول للأخير نسخة عن تقرير المصلحة» وقد تبلغ علوية «بأن الموضوع سيبحث من ضمن المساعي لتقييد حركة النازحين السوريين، لمنع إقامة مخيمات جديدة على ضفاف الليطاني، والتشدد تجاههم حيال الممارسات غير البيئية». ويضيف علوية «تواصلت معنا المديرية العامة للأمن العام أيضا، وطلبت نسخة الكترونية من التقرير مع الأسماء، وقد أرسلناها لها. وكذلك طلبت منا نسخة إلكترونية من قبل مكتب وزير العمل ومستشاره، لاتخاذ الإجراءات على ضوء مخالفة الاحكام التي ترعى عمل الأجانب في لبنان».
يشدد علوية بالمقابل «أننا لسنا معنيين بإعادة السوريين الى أراضيهم وترحيلهم، ولكننا مصرون على وقف التلوث الذي تتسبب به مخيماتهم على مجرى الليطاني». معتبرا أن «الحركة التي قامت بها المصلحة لا يمكن أن تفسر عنصرية تجاه السوريين، كون المصلحة تحيط بكافة المخالفات على كل المستويات سواء أتت من اللبنانيين أو السوريين». مضيفا «إذا كان القيام بواجباتنا عنصرية فأنا لا يمكن أن أمنع توصيفي. ولكن بقناعتنا مشكلتنا ليست مع السوريين، إنما مع طرفين هما الدولة اللبنانية والجمعيات التي تستغل السوريين. لو لم تكن مخيماتهم على مجرى النهر لما كنا أصحاب اختصاص للتحدث بالموضوع. لو لم يرموا نفاياتهم الصلبة والسائلة بالأملاك النهرية لما قاربنا ملف السوريين. أما إذا كانت عدم العنصرية هي أن نتركهم يعيشون بالمجارير ويسرقون كهرباء، بينما جمعيات النازحين تراكم الأرباح على حسابهم فهذا شيء أخر. ولكن نحن نحترم النازحين ونشعر معهم».يؤكد علوية في المقابل أن متابعة المخالفات أيا كان مصدرها، يقع ضمن إطار حماية الموارد البيئية لنهر الليطاني. شارحا «هناك سيبة تقوم عليها قضية الموارد البيئية، بدءاً من معالجة النفايات الصلبة، الى النفايات السائلة سواء أكانت منزلية أو صناعية، والى مسألة الممارسات الجائرة، من أنشطة للمحافر والكسارات والبناء الجائر ومن بينها المخيمات التي وضعت على أملاك مجرى نهر الليطاني والاملاك النهرية».وإذا كانت قضية المرامل ومتابعتها وتوثيق مخالفاتها تشكل الشغل الشاغل للمؤسسة، فإن ملفاً آخر طرحته المصلحة مؤخراً، من خلال توجيهها كتابين لكل من وزيري البيئة والداخلية، طالبت فيهما «بإعادة العمل والتشغيل والصيانة في مطمر جب جنين الواقع على ضفاف الليطاني، بعد منع العمل به قسراً من قبل بعض الأشخاص، مما حال دون تلقي النفايات والقيام بأعمال الصيانة».كما أشارت المصلحة الى أنها على أتم الاستعداد للتعاون بهدف توسعة المطمر وفقاً للشروط البيئية والأصول القانونية وتزويدها من خطوط معمل عبد العال لضمان استدامة العمل فيه.إلا أن مطمر جب جنين لا يزال معطلاً حتى الآن على رغم مرور أكثر من أسبوع على طرح القضية. ولتعطيله تداعيات كبيرة على مراكمة النفايات التي وجد لها حل مستدام منذ تشغيله سنة 2019 بعد اربع سنوات من تأمين التمويل اللازم له.ظاهريا شكلت الحركة الاعتراضية تجاه المكب محاولة للحد مما اشتكى منه الأهالي من تلوث ناتج عن أحد الدواخين المجهز بها. إلا أن للاعتراضات أبعاد أخرى بعضها يشكل رد فعل على ما يعتبره أهالي المنطقة حرماناً لبلداتهم من الاستفادة من إنتاج الطاقة الكهرومائية، وبعضها يتطرق للغة طائفية، كون المطمر موجود في بلدة سنية بينما هو يعالج نفايات قرى الاتحاد التي تتنوع بين مسيحية وشيعية وسنية.
وعليه لا تزال تستولى على المطمر مجموعة أشخاص، تمنع تشغيله وفقا لعلوية، وهو ما يهدد بالعودة الى المكبات العشوائية التي عادت تتسلل الى المنطقة، وبمزايدة من نواب المنطقة في ما بينهم، ومن جهات بلدية ترى في التعطيل حلاً. بينما المحاولات ما زالت جارية لإعادة تشغيل المطمر مع وزير البيئة الذي ذكر انه وعد بتأمين تمويل لمعالجة مشكلة التلوث الناتجة عن أحد دواخينه، مع تجهيزه بالفلاتر اللازمة.بالمقابل إذا كان اهتمام المؤسسة بالمجرى هو لحمايته من التلوث، فإن هدفها يبقى أيضا حماية منشآت الليطاني وخصوصا تلك التي ترتبط بإنتاج الكهرباء. وإنطلاقا من هذا الحرص جاء توجيه كتاب جديد في الأسبوع الماضي لكل من وزيري الداخلية والطاقة، وللنيابة العامة التمييزية، لمطالبتهم بضبط الأنشطة غير القانونية لمشغلي ماكنات العملة الرقمية المشفرة في مناطق جزين وإقليم التفاح والشوف والبقاع الغربي. حيث طلبت المصلحة «تكليف من يلزم بضبط هذه الأنشطة نظراً لعدم شرعيتها ولاستهلاكها الكثير من الطاقة في ظل التعديات من القائمين بتلك الأنشطة على شبكات التوزيع وسرقة الكهرباء». ويكشف علوية أن هذه العمليات تفاقم الهدر غير الفني الذي يصل الى 40 بالمئة على الشبكة. ما يعني خسارة مالية تصل قيمتها الى 20 مليون دولار.أما عن التفاعل الذي لقيه من خلال مراسلة الجهات المعنية، فيشرح علوية أنه تلقى اتصالات من مدير مكتب وزير الداخلية واللواء عماد عثمان ونائب رئيس امن الدولة أكدوا جميعاً متابعة الملف، كاشفاً أنه على أثر تحرك الأجهزة الأمنية أصبح هناك وفر على شبكة الكهرباء بحجم كبير.إلا أن العبرة في كل هذه الملفات كما يراها علوية هي في المتابعة. أما العمل تحت وقع الصدمة، فلن يوصل الى حل مستدام…