أحيت “الكتلة الشعبية”، ذكرى مرور 7 سنوات على رحيل الوزير والنائب السابق الياس سكاف في كنيسة سيدة النجاة زحلة، وترأس القداس رئيس أساقفة الفرزل وزحلة والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك المطران ابراهيم مخايل ابراهيم وعاونه لفيف من الكهنة. وخلال القداس تُلي الرقيم البطريركي المتضمن البركة الرسولية التي اوفدها البطريرك مار بشارة بطرس الراعي والتي اضاءت على مزايا الراحل الانسانية والوطنية.
وألقى المطران ابراهيم كلمة استذكر فيها “زعيمًا من أبناءِ طائفتِنا الروميِّةِ الملكيَّةِ الكاثوليكيَّةِ، تركَ بَصمةً على جبينِ الطائفةِ لا تَمَّحي، ولا عن جبينِ هذه المدينة والوطن في أطيافه كافَةً، ألا وهو قِدِّيسُ السياسةِ، الراحلُ الياس بك طعمة سكاف”.
وقال: “أَحبَّهُ الناسُ لعفويَّتهِ وكرمهِ وتكريسِ ذاتِهِ وصحَّتهِ ووقتِهِ لخدمةِ كلِّ مواطنٍ صاحبِ حقٍ وواجبٍ، حتَّى أنَّهُ لمَّا بدأَ المرضُ ينهشُ جسدَهُ فأنهكَهُ، لم يُثنِهِ لا الألمُ ولا العلاجُ ولا القلقُ عن مُلاقاةِ الناس، ولا كلَّتْ منهُ الهِمَّةُ، أو وهَنَ العزمُ، ولَا غابَ العطاءُ. أمَّا البسمةُ فما بَرِحَتِ الوجهَ الأليفَ”.
أضاف: “هو من سُلالةٍ أعطتِ الوطنَ أبًا عنَ جَدٍّ. كانَ إيلي بك صوتَهُما الجهوريَ القوي المؤثرَ، حيثُ حلَّ كُلٌّ منهما في السلطة التشريعيَّةِ أوِ التنفيذيَّة. وأنَّى لنا أنْ ننسى التمثيلَ الوازنَ للجدِّ الياس طعمة سكاف في زحلةَ والبقاعِ في أُولى ندوات البرلُمان، وكيف ننسى، وكانَ الراحلُ العظيمُ جوزيف بك سكاف قدْ حضَرَ جلسةَ انتخابِ الرئيسِ، والمرضُ الأخيرُ يَعيثُ به ويُوهِنُ قِوَاهُ، فما كلَّتْ عزيمتُةُ، وظلَّ همُّ الوطنِ ماثلًا في الذِّهنِ والقلبِ”.
وتابع: “إنَّنا اليومَ أحوجُ ما نكونُ إلى مثلِ هؤلاءِ الرجالِ الرجالِ فيما نواجهُ من أزْماتٍ لعينةٍ حيثُ غدرتْ معًا أيادي السوءِ والأقدارِ في وطنِ الأرزِ وشعبِهِ.
مَن منَّا لا يعرفُ جوزيف طعمة سكاف، وهو يأتي بتسعةَ عشرَ نائبًا عن دوائرِ البقاعِ كلِّها، فيرأسُ الكتلةَ البرلُمانيَّةَ الأكبرَ، ويتولَّى حقائبَ وزاريَّةٍ تليقُ بهِ وبحجمهِ التمثيلي، أما الياس بك الابنُ البارُّ في هذِه السُلالةِ، ونحنُ نُحيي ذكراهُ اليومَ في كاتدارئيَّة سيِّدةِ النجاةِ، وبحضورِ السيِّدةِ الفاضلة ميريام سكاف، وجوزيف الحفيدِ، وجبران المتغيب بداعي السفر، والعائلةِ والجيرانِ والأصدقاءِ والمحبِّينَ الكُثرِ، فقد سارَ على هَدي الرسالةِ الوطنيَّةِ التي ورِثهَا عنِ الأبِ والجَدِّ. دخلَ النَدوةَ البرلُمانيَةَ، فتبوَّأَ مناصبَ وزاريَّةً، كان في كلٍّ منها ناصعَ الضميرِ، وطاهِرَ الكفِّ، ولمْ يألُ جُهدًا لخدمة العامَّةِ. ما انحنى أمامَ الصعابِ ولا الملمَّاتِ ولا المُغرياتِ. ظلَّ – حتَّى الرمقِ الأخيرِ، وهو يعاني سكْراتِ الموتِ، وقابَ ملاقاةِ وجهَ ربِّه- مستفسرًا عن أحوالِ زحلةَ والبقاعِ. كانَ مسكونًا بمدينتِه وبقاعِه ووطنهِ. وكلُّ ذلكَ، لم يَحْرِمْ عائلتَهُ من عاطفةِ الزوجِ وحنانِ الأبِ”.
وختم المطران ابراهيم: “وبقيَ الإرثُ بقيَ، حيثُ تَزِنُ الأمانةُ وزْناتِ ربِّ البيت، ما يُلقي على عاتقِ العائلةِ الكريمةِ وزنَ التثميرِ والجَهدِ في سبيلِ الخدمةِ العامًّةِ مع الحفاظِ على نهجِ الاعتدالِ الوطني والانفتاحِ على الآخَرِ المُختلفِ، ونبذِ الخصوماتِ العبثيَّةِ وتأبيدِ الذكرى الطيِّبةِ لرجلٍ عاشَ في هذهِ الأرضِ كي ينموُ الزرعُ الطيِّبُ ويندثرُ الزؤانُ هباءً منثورا. وكما ندعو لأحبارِنا، بعدَ انتقالهِم إلى الحياةِ الأبديَّةِ، بأنْ تكونَ ذكراهُمْ مَؤبَّدةً ” فذكرُ الصدِّيقِ يدومُ إلى الأبد”، نقولُ في ذكرى هذا الزعيمِ الإنساني الزَّحلي والبقاعي والوطني الطيَّبِ: إنَّ الجماعةَ المؤمنِةَ عَلَى ذكراكَ باقيةً باقية”.
سكاف
وألقت رئيسة “الكتلة” ميريام سكاف كلمة في المناسبة وجهت فيها بداية التحية الى الكنيسة “التي تحمل هموم الناس اكثر من أي مسؤول في البلد”، وخصت بالذكر المطران ابراهيم ابراهيم “مطران الانسانية” واعتبرت ان “الكنيسة معه ستكون بألف خير”.
واستذكرت سبع سنوات من غياب ايلي سكاف، معتبرة ان “البلد تغيّر في غيابه وان الوطن الذي تركه الراحل طار ولم نعد نعرفه كمثل طيران ودائع الناس”.
وانتقدت “سلطةً هدمت الهيكل وتستمر في نهج الانهيار”، مضيفة “نفتقدك في هذا الزمن ليس كأب للعائلة فقط بل كأب صالح للمجتمع والبيت السياسي”، معتبرة ان “أثر سكاف صمد وبصماته يكتشفونها اليوم وكلما تعمقوا في فساد السلطة عرفوا قيمة هذا الرجل الذي لم تتلوث يداه بالسمسرات والمصالح والمغانم”.
وقالت: “هناك من وصف الراحل بالراهب السياسي والنبع ونظافة تلج صنين وشموخ الأرز وانه ركن من شرف لبنان”، مضيفة “عندما فتّشوا في كتاب الأوادم وجدوا إسمك في الطليعة، فمن كان على صورتك لم يعد موجودا، وما تبقى هو اشباه رجال وممثلي شعب يتوزعون بين الدُمى واللاقرار او قرار السلب والنهب، وامامنا اليوم قيادات وسياسيون وزعماء أحزاب ومصارف بلا قلب، لم يرحموا وطنا ولا مواطن”.
وتوجهت سكاف بنقد لاذع لبعض قوى التغيير “الذين لاموا على بيت سكاف إرثهم التاريخي من دون الاطلاع على هذا التاريخ المشرف”، سائلة التغييريين والسياديين وكل من مِشى بالثورة ورفع شعار إسقاط المنظومة: “من اخبركم إن التغيير يبدأ برفض الناس الأوادم؟ من قال ان هذا البيت لم يدفع ثمن التغيير قبل ان يدقّ احد باب الثورة؟ اين كنتم عندما حُوربنا وعندما رفض إيلي سكاف المساومة على أرضه وسيادته ودفع ثمناً من صحته وعاش قهرا ً لم يعشه احد من قبله؟”.
واعتبرت ان “التحرر والتغيير والسيادة يبدأ من هنا وليس باعلان الانفصال عن بيوت رَسمت طريق الحريات والاستقلالية”، مضيفة “إنتو الي خسّرتونا.. مش نحنا الي خسِرنا الانتخابات وما اختبرناه من بعض التغييرين وضعنا بين سلطة مِحتلة وقوى مِختلّة”.
وحرصت سكاف على تعبير “البعض ممن شاهدنا عبرهم أنانيات سمّوها استقلالاً وسيادة”، مضيفة “لو بدّنا ننغمس بالسلطة ونشارك تيارات واحزاب ونعمل تواطؤ من تحت الطاولة كنّا هلق عم بنمثّل عالشعب بداخل البرلمان، هيدا ثمن خياراتنا اللي بتخليّنا حد شعبنا مش ع اطراف السلطة” .
وعن الاوضاع الاقتصادية والمصرفية قالت سكاف: “ان الدولة لم تعذّب نفسها في البحث عن حلول لا بل شجعت مواطنيها على الهرب بمراكب الموت”، معتبرة ان “السطو على المصارف والاستحصال على ودائع الناس بالقوة ليس فعل حرام، وما اُخذ من المصارف بالقوة لا يُسترَدَ الا بالقوة بعد ان عجزوا في استردادها وعجزت ادارة المصارف عن وضع الحلول والخطط في وقت كانت الحلول سريعة عندما هرّبوا اموالهم للخارج”.
واضافت: “امام هذا الوضع لا نستطيع لوم المودع الذي يبيع كليته ليتعالج، او توجيه العتب لمرضى السرطان. وهؤلاء جميعهم لا امل لهم بالدولة والقضاء الذي يعاني اوضاعا مشابهة، وبعضه مسيّس ويعمل غب الطلب”.
وانتقدت سكاف “الاستسهال ايضاً بادارة الازمة وصولا الى عدم المسؤوليات تجاه الاستحقاقات من تأليف الحكومة الى انتخاب رئيس جديد للبلاد”، سائلة “ماذا يفعل السياسيون اليوم غير ادارة المعارك الوهمية. وساعة يشاؤون يدفعونا الى الطائفية وتحصين المواقع تحت عنوان مذهبي”.
وقالت: “اليوم، الجميع قلبه على حقوق المسيحيين من دون ان يخبّرونا كم هجرت حروبهم المسيحيين. ولا زلنا حتى يومنا هذا وعند كل منعطف سياسي نصبح اسرى كتلتين وتيارين وحزبين “بيكفّيكن تنيناتكن سوا شو عملتوا بالبلد وإذا الشعب بيوعى بقلكُن: خَلْصونا من صراعكن والتفتوا للمسيحي الي فعلاً قوي وحابب يضلّ بوطنو بعيداً عن معارك طواحين الهوا.”
وختمت سكاف ب”رفض اللعب على الوتر الطائفي واستنفار العصبيات حيث ان ميزة هذا البلد بغناه وتعدديته في طوائفه لا في طائفيته”.