ربما يكون من الصعب التخيل بين معظم اللبنانيين أن ليس للولايات المتحدة مرشحون للرئاسة في لبنان. لكن حقيقة الأمر أن واشنطن تتصرف في هذه المسألة بشيء من “البراءة”.
فلو سألت أي مسؤول في الحكومة الأميركية أو أي شخص قريب منها حول هذه المسألة، لوجدت وجهاً مصعوقاً من المفاجأة ومسارعة للقول: لا لا لا مرشح!
في السياق قال متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية لـ”العربية.نت/الحدث.نت” إن الولايات المتحدة تدعو إلى انتخابات رئاسية حرة ونزيهة، وفي حينها، بحسب الدستور اللبناني.
كما أضاف في رسالة مكتوبة: “نريد حكومة في لبنان قادرة على إعادة ثقة شعبها وملتزمة بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية ضرورية لإحداث تغيير والترويج لحكم رشيد ينقذ الاقتصاد”.
شروط إصلاحية
وتجلب مسألة انتخاب رئيس في لبنان ودور الأميركيين فيها الكثير من الكلام، خصوصاً أن العديد من الطموحين للرئاسة يعوّلون على موقف واشنطن. وقد تفاجئهم الحكومة الأميركية بالقول إن تلك المسألة يحسمها اللبنانيون.
فيما أكد ناشطون في العاصمة الأميركية لـ”العربية.نت/الحدث.نت” أن مواصفات الرئيس وما هو مطلوب منه، يطرحها الأميركيون مع محاوريهم في لبنان وخارجه، مضيفين أن إحدى مسائل النقاش بين الناشطين والمسؤولين الأميركيين أن البيانات الأميركية لا تشترط أن يكون الرئيس إصلاحياً، بل تكتفي بالقول أن تتم الانتخابات “في موعدها وضمن المهل الدستورية”.
كما طلب الناشطون من مسؤولين في البيت الأبيض في أحد الاجتماعات إضافة شرط ومواصفات “إصلاحي”. فكان جواب الأميركيين أن المطلوب هو إصلاحي، لكنهم حتى الآن اكتفوا بالتلميح ولم يغيّروا مضمون البيان الرسمي.
وسيكون الرئيس الاصلاحي شرطاً مهماً لدى الأميركيين في كل الحالات. فهم يربطون الكثير من التعاون بين واشنطن والأسرة الدولية ولبنان بانتخاب رئيس وتشكيل حكومة إصلاحية، وإلا لا مساعدات من البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي.
الحدود البحرية
كذلك يضع الأميركيون عدة أهداف لسياستهم في لبنان وربما تكون أهم من الأسماء، أقله بتقدير واشنطن. والهدف الأهم هو التوصل إلى اتفاق نهائي لـ”الحدود البحرية”.
فالرئيس الأميركي جو بايدن وضع هذا الهدف في رأس الأولويات، لأن إدارته تعتبر أن التوصل لاتفاق ترسيم الحدود البحرية يحل مشكلتين أساسيتين: الأولى وهي الأهم التوصل لسلام “مستديم” بين إسرائيل ولبنان وبموافقة حزب الله.
وفي هذا السياق، قال متحدث باسم الخارجية الأميركية لـ”العربية.نت/الحدث.نت” إن الموفد الرئاسي الخاص عاموس هوكستين على اتصال مع كل الأطراف ويعمل على حل الخلافات العالقة فيما المفاوضات في فصولها الأخيرة، مضيفاً: “ملتزمون بالتوصل إلى حل ونعتقد أن اتفاقاً مستديماً أمر ممكن وبمتناول اليد”.
وربما يكون من الضروري الإشارة إلى أن هذا التصريح المكتوب جاء بعد أيام من رفض الإسرائيليين التعديلات التي طلبها لبنان.
كما أن بعض المسؤولين في الإدارة الأميركية قالوا لناشطين في واشنطن إن “حزب الله موافق على الاتفاق وهذا ما تبلّغت به واشنطن”، فيما تواصلت خلال الأيام الماضية اتصالات المفاوض الأميركي مع الأطراف اللبنانيين.
الانفراج الاقتصادي
أما المشكلة الثانية التي يحلّها أو يساهم في حلها اتفاق الحدود البحرية، هو وضع لبنان على طريق الانفراج الاقتصادي وإن كان بعيداً. وهذه مسألة يهتم بها الأميركيون كثيراً ويضعونها من ضمن أولوياتهم.
ومن الناحية العملية، يرى الأميركيون أن الانتخابات المقبلة وتشكيل حكومة وترسيم الحكومة سيفتح الباب أمام البنك الدولي لإقرار اتفاق الغاز والكهرباء بين مصر ولبنان عن طريق الأردن وسوريا، كما سيفتح الباب أمام صندوق النقد للانخراط في مساعدة لبنان.
شروط الأميركيين في مسألة الغاز والكهرباء تبدو واضحة، وتقوم على تأجيل الأمر إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، والتأكد من أن النظام السوري لن يستفيد “كثيراً” من مرور الكهرباء في الشبكة أو من تبادل الغاز المصري مع الغاز السوري قبل إيصاله إلى لبنان.
فقد اكتشف الأميركيون أن تخطي كل العراقيل في هذا المشروع أمر مستحيل، وباتوا الآن يعتبرون أنه يجب أن يتم إنجاز الاتفاق من دون استفادة النظام السوري منه، وإن حدث يكون قليلاً جداً، وغير مهم، ولا مؤثر.
يبقى على لبنان أن يقر أيضاً السلطة الناظمة والصندوق المختص، وإلا سيرفض الأميركيون والبنك الدولي أي اتفاق يجعل الأموال تحت سيطرة وزارة الموارد الكهربائية الحالية، خصوصاً أنها من هدر المليارات، منذ سنوات طويلة، وتسبب بتهريب الطاقة والأموال إلى الميليشيات والنظام السوري وبقي لبنان بدون إضاءة.
فرصة و6 سنوات
ويقف اللبنانيون الآن أمام فرصة، فلو تم انتخاب رئيس للجمهورية من خارج مدار حزب الله والنظام السوري، وتم تأليف حكومة تجري الإصلاحات المطلوبة من “الغرب”، فإنه سيحصل على مساعدات مباشرة لصندوق معاشات الجيش والأمن الداخلي، وربما تصله مليارات من المساعدات من السعودية وربما من دول الخليج العربي، ويحظى بملايين الدولارات من صندوق النقد ومن البنك الدولي، ويعيش في ظل هدوء أمني مع إسرائيل.
كما يرى الكثيرون أن الأمر ممكن، وأن حزب الله ليس الناخب الوحيد، بل إن حزب الله يعاني من مشكلة تقلص شعبيته ونفوذه، ومن الممكن أن يتم انتخاب رئيس من خارج مدار التنظيم الموالي لإيران، ومن الممكن تشكيل حكومة إصلاحية. وإن لم يحدث هذا فإن الأزمة ستستمر 6 سنوات إضافية.