كتب رامح حمية في “الأخبار”:
عادت الصهاريج إلى العمل مجدداً على نقل المياه الآسنة من مخيمات النازحين السوريين في عرسال إلى منطقة في جرود البلدة. قرار اليونيسيف قضى بزيادة معدّل كميات المياه النظيفة المسلّمة لكلّ نازح سوري إلى 35 ليتراً بدلاً من 20 ليتراً في اليوم، كما عدّل كمية المياه المسحوبة من جور الصرف الصحي إلى 24 ليتراً، أي ما يعادل 70% من كمية المياه النظيفة المسلّمة، بعدما كانت 17 ليتراً بحسب ما يؤكد لـ«الأخبار» أحد المسؤولين عن المخيمات. إلا أن اللافت في قرار التعديل ما علمت به «الأخبار» لجهة الفترة الخاصة بسريان عملية شفط مياه الصرف الصحي وتقديم المياه النظيفة، إذ تبيّن أن القرار لفترة «شهر فقط من تاريخ تطبيقه»، ومن الممكن التوقف عن تنفيذه إذا لم يتمّ تأمين التمويل اللازم. وبالفعل فقد تمّ إبلاغ الجمعيّتين المتعاقد معهما لشفط مياه الصرف الصحي وهما ICF والجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب أخيراً بهذا الأمر.
41 حالة تحت الرقابة
عرسال تعدّ البلدة التي احتضنت أكبر تجمع للنازحين السوريين على مستوى لبنان، فعلى رغم عودة ومغادرة مئات العائلات السورية منها إلى الداخل السوري لا زالت تحتضن 164 مخيماً، يتراوح عدد الخيم فيها بين 5 إلى 205، وهي تضمّ اليوم أكثر من 77 ألف نازح سوري يسكنون في 9000 خيمة و3500 بيت مستأجر، لكلّ منها خزّان مياه نظيف وخزّان للصرف الصحي.
هذا العدد الكبير، وتراجع الخدمات المقدّمة للنازحين، وضع عرسال في أزمة صحية وبيئية واجتماعية، تضاف إلى أزمتها البلدية. فمنذ أيام، وضعت 41 حالة تحت عين الرقابة الصحية للتأكد ما إذا كانت مصابة بالكوليرا أم لا، وقد أكدت مصادر طبية في البلدة أنّ مخيمات النازحين، وبعد قرار اليونيسيف بتخفيض شفط مياه الصرف الصحي، وتسرّب تلك المياه إلى المنازل والشوارع، شهدت ظهور إصابات لدى الأطفال تنوّعت بين الطفح الجلدي المفرط وبين البسيط، بالإضافة إلى حالات الغثيان والقيء، ما استدعى تدخلاً من فرق وزارة الصحة والترصّد الوبائي.
وقد حذّر النائب ملحم الحجيري من خطورة الوضع الصحي في عرسال الذي «يستدعي تدخلاً سريعاً، فالحالات المرضية غالبيتها أطفال ولا بد من توفير العلاج السريع لهم حتى لا تتوسّع دائرة الإصابات وتشكل خطراً على البلدة والمنطقة بأكملها».
جور صحية في مجرى السّيل
تتجاوز الأزمة حدود عرسال إلى القرى المجاورة، ففي ظلّ غياب شبكات الصرف الصحي فرض على كلّ منزل الاعتماد على حفر صحية. في عرسال، ومع النزوح السوري الواسع، دعمت الجهات الدولية المانحة السوريين من خلال التعاقد مع جمعيات لتأمين خدمات من ضمنها سحب الصرف الصحي من كلّ حفرة وكلّ خيمة صغيرة في غالبية المخيمات، ومن الحفرة الكبيرة الخاصة بالمخيم بأكمله.
يؤكد أحد أبناء عرسال أنه تم التعاقد مع أصحاب أربعين صهريجاً لشفط المياه الآسنة ونقلها من عرسال إلى محلة جردية تسمى سرج الغنم في الجرود، وهي منطقة مطلة على بلدة الفاكهة ورأس بعلبك والعين في البقاع الشمالي، وتحديداً بالقرب من مجرى سيل الفاكهة ورأس بعلبك. ويحذّر الرجل من «كارثة بيئية وصحية بحق عرسال وجيرانها، فإذا كانت اليونيسيف تسمح بشفط 24 ليتراً من حفرة كلّ نازح كل يوم، في مقابل 77 ألف نازح سوري فهناك رقم يقارب المليوني ليتر يومياً يتم تفريغها في حفرتين اعتمدتا للصرف الصحي». ويلفت إلى الربح المادي المتحقق من هذا العمل: «يعمل 40 صهريجاً، وبسعات مختلفة، على نقل 4 إلى 5 نقلات يومياً، وهو أمر مربح جداً، إذ يبلغ البدل المالي عن كلّ نقلة الـ50$، وهذا مغر سواء للجمعيات أو الأشخاص… حتى أن هناك أعضاء في بلدية عرسال اشتروا صهاريج وصاروا يعملون في هذا المجال».
تسرّب إلى المياه الجوفية
وبالمعاينة الفعلية للحفرتين الضخمتين اللتين اعتمدتا لتصريف الصرف الصحي، تبيّن أنهما لا تحويان هذه الكمية الهائلة من المياه الآسنة، الأمر الذي فسّره المهندس منير الحجيري بأن الأرض «سريعة الامتصاص للمياه وبالتالي فهناك تسرّب سريع إلى المياه الجوفية، وعلى الجهات المانحة التحرّك سريعاً»، متسائلاً عن سبب عدم اللجوء إلى أماكن أخرى في جرود عرسال.
عن هذا السؤال يجيب رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري بالقول: «إن سائقي الشاحنات الذين ينقلون الصرف الصحي من المخيمات إلى الحفرتين هم المسؤولون عن اختيار الموقع، بعد إشارتهم إلى وجود حفريات قديمة في المكان»، لافتاً إلى أن «آخر التزام لنقل الصرف الصحي كان عشوائياً، كلّ مجموعة من السائقين كانت تختار المكان وتنقل إليه من دون أن يكون للبلدية أي مسؤولية أو إشراف على هذا الأمر». ويكشف الحجيري أن «مشروع محطة تكرير الصرف الصحي الذي وافق الفرنسيون على تمويله لا يزال عالقاً في وزارة الطاقة منذ عام 2020، في حين أن النائب ملحم الحجيري أكد من جهته أنه زار البلدية مرات عدة للحصول على ملف محطه تكرير الصرف الصحي، وأنه سيحاول التفتيش عن سائر أوراقه ومتابعته بغية تحريكه والشروع في تنفيذه».
تلوّث نبعَيْ الفاكهة ورأس بعلبك؟
يؤكد رئيس بلدية رأس بعلبك منعم مهنا أنه تابع مرات عدة شكاوى في شأن مياه الصرف الصحي في جرود عرسال، «حصلت على وعد بنقل الحفر منذ سنتين بعدما ثبت من خلال فحوص للمياه في رأس بعلبك أنها ملوّثة، إلا أنّ الظروف التي يمرّ فيها البلد منذ سنتين حالت من دون متابعة الموضوع، واليوم وفي ظل انتشار وباء الكوليرا سنتابع الموضوع بالسرعة اللازمة».
من جهته يعبّر المهندس عبده سكرية، ابن بلدة الفاكهة، عن خشيته من تلوّث النبعَين الوحيدين الصالحين للشرب في البقاع الشمالي وهما نبعا الفاكهة ورأس بعلبك «المهدّدان بسبب إفراغ آلاف الأمتار المكعبة من مياه الصرف الصحي في مجال الأحواض المائية التي تغذي الينابيع في البلدتين وتهدّد أكثر من 20 ألف مواطن بأمراض الكوليرا الناتجة من ذلك، فالمؤسسات الدولية المهتمة بشؤون مخيمات السوريين في عرسال وخاصة اليونيسيف تقوم بشفط الجور الصحية وترميها في أراضي بلدة الفاكهة المتاخمة لعرسال والتي تبعد عن نبع البلدة مئات الأمتار، كما تقوم بحرق النفايات في المحيط نفسه ما سيؤدي حتماً إلى تلوث الينابيع ونقل الأمراض إلى السكان». يضيف: «لقد رصدت اليونيسيف منذ سنوات عدة مبلغ 2.200.000 دولار لإنجاز محطة صرف صحي من خلال وزارة شؤون النازحين التي ترأّسها يومها الوزير معين المرعبي، وأنجزت الدراسة من شركة BTD ونام المشروع في الأدراج فيما استخدمت الأموال في أولويات أخرى، لذلك نحن كأهالي بلدة الفاكهة ورأس بعلبك وعرسال نطالب بوقف التعديات وإنشاء محطة تكرير صرف صحي ومعمل نفايات لبلدة عرسال لإنقاذ الينابيع من التلوث».
استقالات بلدية عرسال تهدّد بحلّها
في عام 2019 تقدم ستة أعضاء من بلدية عرسال بالاستقالة «احتجاجاً على الهدر والفساد من قبل رئيس البلدية». وفي الأسبوع الأخير من شهر آب تقدّمت ريما كرنبي باستقالتها الخطية إلى المحافظ بشير خضر، ليتقدّم بعدها بأسبوع ستة أعضاء بكتب استقالة خطية أيضاً. وعلى رغم انقضاء المهلة القانونية، وهي مهلة شهر من تاريخ تقديم الاستقالة للبت بالاستقالات، إلا أن دائرة الاتصالات والمساعي توسعت من أجل ثني الأعضاء عن الاستقالة، تحت عنوان «عرسال بحاجة إلى بلدية لتسيير أمورها».
يقود المساعي كلّ من النائب ملحم الحجيري والمحافظ بشير خضر والمفتي الشيخ بكر الرفاعي. حتى اليوم لم يتصاعد الدخان الأبيض من سماء عرسال وبحسب النائب الحجيري، والاتصالات بين الأطراف مستمرة للحؤول دون الإكمال في مسار الاستقالات لأن الظرف الحالي يتطلب تضافر الجهود من أجل عرسال التي تعاني كثيراً من المشكلات، كاشفاً لـ«الأخبار» وجود طروحات عديدة يتم دراستها بين الأطراف».
من بين الطروحات التي علمت بها «الأخبار» استقالة الرئيس الحالي باسل الحجيري وانتخاب نائب الرئيس نصرات رايد، إلا أن هذا الطرح قوبل بالرفض بحسب مصادر مطلعة، لأن رايد هو من الفريق الخاص برئيس البلدية، شأنه شأن محمد علي الحجيري أيضاً». ومن الاقتراحات أيضاً أن يستقيل الجميع بمن فيهم رئيس البلدية، ومن ثم تجرى انتخابات جديدة عند المحافظ، وهذا ما تم رفضه من قبل رئيس البلدية، كما الطرح الذي يقضي باستقالة الرئيس ونائب الرئيس على أن يسمي المحافظ والمفتي بدلاً عنهما. سائر الطروحات سقطت كما المهل القانونية التي سقطت من تاريخ 18 أيلول وعليه لا تخفي المصادر عدم التوصل إلى حلّ وأن «بلدية عرسال تسير باتجاه الحلّ».