القافلة الأولى إختبار لتحديد مصير العودة النهائية

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،

على هامش مغادرة مئات اللاجئين السوريين من بلدة عرسال الى قراهم في منطقة القلمون السورية الأربعاء الماضي، قال وزير الشؤون الاجتماعية فيكتور حجار في دردشة لـ»نداء الوطن» معه، ردّاً على سؤال، حول ما تحدّث عنه لاجئون عن عراقيل وضعت من الجانب السوري أمام مغادرة الراغبين منهم في العودة، ما حرفيته: «نحن اليوم نتحدث عن عودة آمنة، وبالتالي هناك بعض الأشخاص الذين عليهم مشاكل وملفّات يجب دراستها. سوريا تعمل على أمنها كما يعمل لبنان على أمنه. فإذا كان أي نازح سوري اليوم يريد الذهاب الى كندا أو أي بلد أوروبي تُجرى معه مئة مقابلة ويتم تفتيشه مرّات قبل قبول طلبه بدخول أراضيها، ويُمنع من الدخول إذا كان قد حمل قطعة سكين مرّة. وهذا ما يحصل اليوم. سوريا تعمل على أمنها، ولبنان يعمل للمحافظة على أمنه، وهؤلاء خرجوا من بلادهم وكانت هناك حوادث، وبعضهم شارك بالحرب، لذلك هناك ترتيبات بين الدولتين، وإزالة للعوائق، وكل عائق منطقي سيُزال من الجانب السوري ويكون هناك تسهيل من الجانب اللبناني».

إجابة الوزير شكّلت إرباكاً لجهة المقصود منها، وما إذا كان وزير الشؤون الاجتماعية في لبنان قلقاً على أمن النظام السوري، فوافق على إبقائهم في لبنان الى حين «تفييشهم أمنياً» من قبل السلطات السورية. فيما المفترض أنّ لبنان إستقبل جيرانه الذين لجأوا إليه هرباً من نظامهم، وليس العكس.

ليست المرة الأولى التي يطبّق فيها المعنيون بالحكم في لبنان شروط النظام السوري، الذي يقول من جهة إنّه مرحّب بعودة كل أهله الى مناطقهم الآمنة، بينما هو يصنّفهم بين مواطنين مرغوب فيهم وآخرين غير مرغوب بهم. وفي رحلة العودة الأخيرة من عرسال، بدا هذا الأمر واضحاً من خلال تزويد عناصر الأمن العام المشرفين على العملية بـ3 لوائح، 2 منها ربطتا العودة بشرط التسوية، سواء بالنسبة لتأدية الخدمة الإلزامية، أم حلّ الملفاّت الأمنية والقضائية. ليصبح السؤال المنطقي المطروح: إذا كانت سوريا قد أقفلت فعلياً صفحة الحرب مع أهلها، فلماذا تحتاج الى كلّ هذه الإجراءات والوساطات لاستعادة مواطنيها من أماكن هجرتهم، وخصوصاً من لبنان الذي لا يختلف أحد على كونه دفع الثمن الأغلى لهذه الإستضافة؟

18 لاجئاً فقط

إنطلاقاً من هذا الواقع يصبح مفهوماً أن لا يخرج من نقطة المصنع الحدودية في قافلة العودة الطوعية سوى 18 لاجئاً. ولدى التدقيق في هوية هؤلاء يتبيّن أنّ جلّهم من الجنوب اللبناني، بينما لم تغادر من البقاع بجناحيه الأوسط والغربي أي حافلة، علماً أنّ البقاع يضمّ القسم الأكبر من اللاجئين الموزّعين على مختلف قرى القضاءين اللذين احتضناهم سياسياً وإنسانياً، فباتوا بعد مرور أكثر من عشر سنوات على هجرتهم القسرية من بلادهم، جزءاً من نسيج المجتمعات التي لجأوا اليها.

نظرة بانورامية على سهل البقاع تكشف حجم انتشار التجمّعات التي إحتلّت مساحات واسعة من الأراضي الزراعية في هذه المنطقة، بينما سكنت ايضاً عائلات كثيرة في منازل داخل الأحياء السكنية، ليطبعوا بعض الأحياء بعاداتهم وتقاليدهم وحتى أذواقهم بالمأكل والملبس وغيرها.

واللافت أنّ جزءاً كبيراً من هؤلاء لا يعتبر نفسه معنياً بالدعوة التي وجهت للاجئين للعودة الطوعية مع كافة الضمانات. هم لا يفكّرون بالعودة على رغم كل الظروف الصعبة التي لا يحتاج من يعيشون في الخيم تأكيدها، وقد فاقمتها الأزمة اللبنانية، ويتحمّلون الإتهامات كونهم مسؤولين ولو عن جزء منها، وعن كافة الويلات التي لحقت وقد تلحق بالمجتمع اللبناني ومن بينها إنتشار وباء الـ»كوليرا».

عند الإستماع الى رأيهم بالمقابل، نكتشف أنّ لديهم ألف سبب وسبب لعدم مغادرة لبنان. وبعدما كان خوف شبابهم خصوصاً من التجنيد الإلزامي، تتقدّم ذرائعهم حالياً أنّ أولادهم تسجّلوا في العام الدراسي الجاري، ولن يسمحوا لهم بالتخلّف عن الدراسة. ولكنّهم لا يمانعون في المقابل تسيير هجرتهم الى أي بلد آخر غير سوريا يحملون جنسيته. ما يترك إنطباعاً بأنّه ليس النظام وحده من لا يريد أهله، إنما اللاجئون الى لبنان لا يريدون العودة الى كنف هذا النظام، وهم مستعدّون لتحمّل كل المخاطر والأزمات وحتى الإضطهاد والعنصرية الممارسة بحقهم، شرط ألا يعودوا الى بلادهم.

أما المغادرون في القافلة الأولى التي إنطلقت الأربعاء بعد تعرقل الخطة بسبب «كورونا»، فكان لافتاً أنّ جلّهم من النساء والأطفال، معظمهم ممّن أبدوا رغبة في العودة منذ سنة 2019، فيما بدت أعداد الرجال أقلّ بكثير، ولم تشمل سوى من هم غير مطلوبين للتجنيد الإلزامي. بعضهم يريد المغادرة ولكنّه يقول إنّه سينتظر نتائج المعاملة التي تلقّتها عيّنة العائدين الأولى الى بلادهم، ويبدو أنها ستحدّد مصير العودة النهائية لبقية اللاجئين السوريين الى بلادهم.

فاللاجئون السوريون في لبنان تعبوا أيضاً، ويؤكدون ذلك فعلاً. ولذلك هم ينتظرون الضمانات، وشفافية التعاطي معها. فهذه الضمانات هي الأهم بالنسبة لهم ولا يعنيهم أبداً «الإنجاز الوطني» الذي بدا الوزير حجار توّاقاً ليضعه في سجله الحكومي، قبل أيام من نهاية ولاية عهد، ستمضي قافلته يوم الإثنين المقبل، ولكن من دون أن يبدو واثقاً بالمقابل، لا بمواعيد ولا بأعداد قوافل العائدين السوريين التي قال إنها ستتقاطر تباعاً الى سوريا.

Exit mobile version