لا بديل عن «المبروكة» في الزمن الصعب

بقلم رامح حمية,

لا يغيّر مزارعو بعلبك ـ الهرمل ما «بفكرهم». ثمة قناعة لدى هؤلاء بأن أرضهم لا تصلح إلا لزراعة «الحشيشة»، وأنها الزراعة الوحيدة التي «تسمن وتغني»، على رغم ارتفاع أكلاف زراعتها وتصنيعها. هذه المرة، أيضاً، لم تثن المداهمات الأمنية المستمرة منذ أشهر لمستودعات ومخازن حشيشة الكيف، المزارعين عن مواصلة الاهتمام بحقولهم والتمسّك بها لأنها «الغلّة» التي تسند معيشتهم.

ولأنها كذلك، استحوذت نبتة حشيشة الكيف على ما يقرب من 100 ألف دونم من سهول منطقة غرب بعلبك والهرمل ودير الأحمر. وكما درجت العادة في السنوات السابقة، اتبع المزارعون، هذه المرة أيضاً، سياسة بيع حقولهم «خضير» هرباً من أكلاف التصنيع التي ارتفعت بشكل لافت نتيجة ارتفاع أسعار المحروقات، ناهيك عن زيادة كلفة اليد العاملة للقص والتحميل والنقل ومراحل التصنيع. باعوها بـ«الدولار»، يقول أحد مزارعي الحشيشة في غرب بعلبك، مشيراً إلى أن «دونم الحشيشة الخضير هذا الموسم بيع بأسعار تراوحت بين 100 و200 دولار (الدونم يعطي بين ربع قنطار و3 قناطير)، ومؤكداً أنه باع أكثر من 600 قنطار بـ«70 ألف دولار من ضمنها 3 سيارات… وما تعرّفت لا على قصّ ولا نقل ولا أي كلفة إضافية».

لم يكن لدى معظم المزارعين غير هذا الخيار، في ظل ارتفاع كلفة الإنتاج والتصنيع. ويوضح أحد مصنعي الحشيشة لـ«الأخبار» أن «كلفة قص دونم الحشيشة وصلت إلى حدود 150 ألف ليرة هذا العام، في مقابل 30 ألف ليرة العام الماضي، فيما كلفة لمّ الشتول وجمعها للتشميس ارتفعت من 60 ألفاً إلى 300 ألف. وزادت كلفة النقل من 150 ألفاً إلى 600 ألف». وفي المستودعات، تُسعّر عملية «الدقّ» لفصل الساق عن الأوراق بـ«300 ألف ليرة، بزيادة الضعف عن العام الماضي، مع ارتفاع كلفة ساعة العمل على الآلات من 2000 إلى 4000 ليرة». لذلك، فضّل كثيرون من المزارعين إعفاء أنفسهم من هذه الأكلاف، ناهيك عن أنهم «لم يدفعوا دولاراً واحداً لري حقولهم بعدما سقوها من مياه الصرف الصحي من مجرى نهر الليطاني ومن شبكة الصرف الصحي لمحطة تكرير إيعات أو مياه اليمونة». باختصار، «معدل سعر إنتاج الدونم كان نخو 170 دولاراً، فيما لم تتخط كلفة زراعته 800 ألف ليرة ثمناً للبذار (القنبز) والحراثة والتعشيب… كيف بدك تقنع الناس ما تزرع»، يقول رئيس إحدى البلديات.

تقدر مساحة الحقول المزروعة في بعلبك الهرمل بـ 120 ألف دونم

المداهمات الأمنية التي نفذتها مديرية المخابرات في الجيش مبكراً، وطالت مستودعات ومخازن في غرب بعلبك، لم تثن المزارعين على رغم أنها شكلت هاجساً مقلقاً لهم في البداية وسط تساؤلات عما إذا كانت الدولة قد عادت إلى «نغمة الإتلاف» بطريقة غير مباشرة. لكن، سرعان ما تم تجاوز الأمر مع «السكون اللافت» للأجهزة الأمنية التي «لم تتحرك خلال عملية القص والتيبيس، وخلال عمليات النقل التي كانت تحصل على مرأى من حواجز الجيش والقطعات الأمنية».

أحد كبار مزارعي الحشيشة ومصنعيها في المنطقة يؤكد أن «الحشيشة هي الزراعة التي تثبت كل عام أنها سند للمزروعات الأخرى على اختلافها، فهي الوحيدة التي تناسب تربتنا ومناخنا البارد والجاف، وكلفتها متدنية وإنتاجها وفير، ولولاها كان مزارعو البطاطا والبصل والتبغ والخضار إما في السجن أو يبيعون أرضهم وبيوتهم ليسددوا لتجار البذار والأسمدة والأدوية والمحروقات».

مصدر أمني أوضح لـ«الأخبار» أن «المساحات المزروعة بالحشيشة تضاعفت بالمقارنة مع العامين الماضيين»، مرجحاً أن تصل مساحة الحقول المزروعة على امتداد محافظة بعلبك الهرمل إلى «120 ألف دونم، في حين كانت منذ عامين لا تتجاوز 75 ألف دونم». ويلفت إلى أن الأجهزة الأمنية «وإن كانت لا تعمل على إتلاف الحقول، إلا أنها تراقب عن كثب أسماء المزارعين وأماكن التخزين».

مع ذلك، لا يعني المزارعين كل تلك التفاصيل، كما لا يعنيهم إقرار قانون تشريع زراعة حشيشة الكيف ولا كيف ستعطى الرخص. فبالنسبة إليهم، ستبقى «المبروكة» زراعتهم الوحيدة إلى أن تجد الدولة البدائل، وهو بالنسبة لهم «أمر صعب».

المصدر: الأخبار

Exit mobile version