كتب عيسى يحيى في نداء الوطن ،
تتكرّر المشاهد المأسوية على مساحة الوطن التي يذهب ضحيتها أطفالٌ أبرياء ذنبهم أنهم يعيشون في بلدٍ غابت فيه المسؤولية والإنسانية عند المعنيين، فتسقط عليهم أعمدة الباطون في المدارس تارةً، ويموتون على أبواب المستشفيات تارةً أخرى، ويترك الأهالي ينامون على حسرة فقدان أولادهم من دون عقاب. يصيب الإهمال عدداً كبيراً من المؤسسات العامة والخاصة وينخرها في صميمها، ويسرق من الناس فلذات أكبادهم، من أطفالٍ وشباب يسقطون على مذبح وطنٍ مهترئ تنعدم فيه المسؤولية وتغيب أدنى مقوّمات الحفاظ على الإنسان وقد أصبح سلعةً رخيصة، ما يجعل المسؤولين والمعنيين يضعون أسباب فقدانه في خانة القضاء والقدر. ومع كل حادثة تُقذف المسؤوليات يميناً ويساراً وتضيع حقوق الضحايا، ما يُفقد الأهل الثقة بالدولة وببعض «الرسالات» الطبية والتعليمية.
آخر فصول الإهمال واللامسؤولية، فقدان العنصر في قوى الأمن الداخلي مصطفى عز الدين ابنه أسعد ليل الثلاثاء بعد إمتناع أحد مستشفيات البقاع عن استقباله، لعدم توفّر غرفة عناية للأطفال شاغرة وعدم القيام بالإسعافات الأولية له. وفي التفاصيل، وفق ما يروي الوالد لـ»نداء الوطن» أنّ ابنه الذي كان يستعدّ ووالدته للإحتفال بعيد ميلاده الأول بعد اسبوع، ارتفعت حرارته وأُصيب بإسهال حادّ عند العاشرة من ليل الثلاثاء، فتمّ نقله الى مستشفى عودة في بلدته عرسال والمتخصص بحالات الولادة فقط، فأحالته الطبيبة على مستشفى آخر لعدم الاختصاص، والعوارض التي تظهر عليه تشبه عوارض الـ»كوليرا» المنتشرة في عرسال خصوصاً، فاصطحب الوالد طفله الى مستشفى «دار الأمل الجامعي» في بعلبك ودخل الطوارئ عند الثانية عشرة ليلاً طالباً من الممرّضين ادخاله العناية والقيام بما يلزم، فاستمهله الممرّض ليسأل عن غرفة فارغة، وجاء الجواب بعد نصف ساعة بالنفي، فتوجه اليه الوالد بالقول: «ابني عم يموت بين إيديي»، فردّ الممرّض: «شو بعملك»؟
بعدها، توجّه الوالد الى مكتب الدخول لعرض ما يلزم من أموال وأبرز بطاقة الولد الصحّية كونه مضموناً على نفقة قوى الأمن الداخلي لكنّه أُجيب بالرفض، فحاول التوسّط من دون أن ينجح، «ولم يقدّموا للطفل أي اسعافات».
ثمّ توجّه عزّ الدين الى مستشفى بعلبك الحكومي حيث تمّ إدخال الطفل الى الطوارئ وانعاشه بالأوكسجين، وتوجّهوا له بالقول: «ابنك خالص، والأوكسجين قليل عندو». وبعد اتصالات لايجاد غرفة عناية للأطفال في مستشفيات البقاع، تمّ ايجاد غرفة في «مستشفى المرتضى»، حيث انتقل الوالد حاملاً طفله، لكنّ سوء فهم حصل: ففي مستشفى المرتضى غرفة عناية عادية ولا يوجد قسم عناية للأطفال، فتوجه الوالد الى «مستشفى العبدالله» في رياق حيث فارق ابنه الحياة عند مفرق المستشفى، «لكنّي أكملت طريقي وفور وصولي الى الطوارئ استلمه الفريق الطبّي من دون أن يسألني شيئاً، وبدأوا بإنعاشه ليخرج بعدها الطبيب يقول وهو يبكي: «ما قدرت أعمل شي».
وحمّل الوالد المسؤولية لمستشفى» دار الأمل الجامعي» لعدم تقديم أي مساعدة طبية «كانوا قادرين اسعافه بالأوكسجين والاهتمام به ومتابعة حالته، لكنّ استخفافهم بوضعه الصحّي أفقدني طفلي»، مشيراً إلى أنّ أحداً لم يتواصل معه، وأنه بصدد الادّعاء على المستشفى وتقديم إفادة لدى مديرية قوى الأمن الداخلي.
وقد ووري الطفل الثرى ظهر الأربعاء، وينتظر الوالد والرأي العام من ادارة المستشفى توضيحاً لكي لا يتكرّر المشهد، ولكي تكون صحّة الناس أولوية، بغضّ النظر عن امكاناتهم المادية.