بقلم عيسى يحيى،
لمن تساءل عن طبيعة المهمّة التي ظهرت فيها شابات وشبّان في بعض أحياء مدينة زحلة وقرى قضائها يرتدون سترات حمر تحمل اسم جمعية MEDAIR، مزوّدين بعلب صغيرة بيض مع أوراق واقلام لملء اللوائح التي بين أيديهم، اليكم التفسير التالي: هؤلاء هم من الفِرَق التي تتعاون معها وزارة الصحة في تنفيذ حملة التلقيح ضد وباء الـ»كوليرا» التي بدأت عملياً منذ يوم السبت الماضي، مستهدفة فئتيْ اللبنانيين والمقيمين على الأراضي اللبنانية، عبر تلقيحهم فموياً في أماكن تواجدهم، سواء في المخيمات أو في شوارع بلداتهم، أو حتى من خلال طرق أبواب منازلهم، تحقيقاً للهدف القصير الأمد الذي حدّدته الوزارة لوقف المسار التصاعدي للوباء، عبر إستهداف المناطق الأكثر إكتظاظاً وتنوّعاً بين لبنانيين ونازحين، أو التي تعاني خللاً في مصادر مياهها، وظهرت فيها سابقاً حالات «كوليرا».
بدأت الحملة منذ صباح السبت، وتولّت جمعية MEDAIR في زحلة الجزء الأكبر منها في منطقة البقاع الى جانب «مؤسسة عامل»، حيث بلغ عدد الفرق التي نشرتها MEDAIR في المواقع المستهدفة 85 فريقاً إنطلقوا من أمام مركزها في حافلات نقل حملت عبارة CHOLE VAX للقاح الـ»كوليرا». فتوجّه قسمٌ إلى مخيمات النازحين مباشرة، وقسم آخر إلى مجتمعات اللبنانيين، بعدما حملت علبة كل فريق عرّف عن نفسه بأنه مكلّف من وزارة الصحة، 150 لقاحاً، يتوقّع أن يزوّد به في كل يوم من أيام الحملة، ليعملوا على إقناع الناس بتناوله.
في المجتمعات اللبنانية المستهدفة، حطّت فرق التلقيح وكأنها سقطت من فضاء آخر. وسط غياب المعلومات الكافية حول طبيعة مهمّتها وآلية التطعيم القائمة على التواصل المباشر مع الناس، وأهمّية اللقاح ومفاعيله الجانبية، سادت الريبة، خصوصاً أنّ البعض كما تبيّن من خلال جولة ميدانية، لم يعلم بوصول الـ»كوليرا» الى لبنان، ويعتقد بأنّ تحصّنه من «كورونا» كان آخر اللقاحات التي عليه تناولها. صدّ كثيرون الفرق بعدما تفاجأوا بسؤالها عن رغبتهم في تناول اللقاح، الأمر الذي بدا صعباً إتخاذ القرار بشأنه فوراً ومن دون تفكير مسبق، وبالتالي ظهر تقصير حتى من جانب بعض السلطات المحلية والتنسيق بينها وبين وزارة الصحة في إطلاع الناس على طبيعة هذه الحملة.
هذا الأمر أبدى وزير الصحة فراس الأبيض تفهّما له، مشيراً الى «أن موضوع اللقاح قائم بشكل عام على الثقة ونحن في لبنان للأسف بسبب أداء الدولة التي لا تقدّم خدمات للمواطنين، نجد أن لا ثقة من قبل المواطن بها». ومن هنا، شدّد على أهمية التعاون مع السلطات المحلية والجهات الداعمة للمجتمعات. بالنسبة لمعظم اللبنانيين الذين طرحت عليهم فكرة اللقاح، بدا الإعتقاد السائد بأنّ هذه الحملة ستستهدف بشكل خاص مخيمات اللاجئين السوريين. فعلى رغم كل التطمينات التي أطلقها الأبيض سابقاً بأنّ أعداد المصابين بالـ»كوليرا» لا زالت محدودة في منطقة البقاع قياساً الى منطقة عكار مثلاً، فإنّه من الواضح في المقابل أنّ الوباء يملك في مخيمات النازحين من مقوّمات الإنتشار ما يساعده على التفشّي وبسرعة قياسية. ومن هنا فإنّ درجة الإستعداد لتلقي اللقاح في هذه المخيمات كانت أفضل بكثير من المجتمعات اللبنانية.
جولة على المخيّمات
في جولة على مخيّمات النازحين السوريين لرصد احدى فرق التلقيح التي انطلق عملها من سعدنايل، إستقبلنا سكان المخيم 071 بالشكوى من المجارير الآسنة ورائحتها التي إجتاحت خيمهم منذ أكثر من 15 يوماً، جرّاء عطل طرأ على خط الجرّ الأساسي الذي ترتبط به إمدادات التصريف الموصولة الى خيمهم، ما تسبّب باختناق وضيق تنفس لعدد من المقيمين وبينهم أطفال ونساء. وبدت المفارقة كبيرة، بين أن يتم إستهدافهم بحملة للتلقيح تقيهم من إصابات الـ»كوليرا»، وبين ما يتعرّضون له من تهميش من جمعيات تعنى بتأمين نظافة المخيمات والبلديات ولا تتجاوب مع مطلبهم بفتح «الريغار»… علماً أنّ هذا الواقع ليس إستثناء في أيّ من مخيّمات اللاجئين السوريين، وإن كانت مخاطره تتفاوت بين مخيم وآخر، تبعاً لدرجة الوعي الموجودة فيه.
وظهر أحد النماذج من خلال زيارة أخرى لمخيّم ثان، كانت حملة التلقيح قد بدأت فيه بسلاسة، وأكدت شاويشة المخيم فيه أنه شمل كل المقيمين فيه من كبار وصغار، وهي كانت شاركت مع الجمعيات والهيئات المانحة في دورات إرشادية، وعملت على نقل المعرفة التي تلقّتها الى المقيمين في المخيم، ما جعلهم مستعدّين لتلقّي اللقاح من دون نقاش، و»أمّن نسبة تلقيح مئة بالمئة في المخيم»، وفقاً للشاويشة.
إلا أنّ الجهات الرسمية اللبنانية كما الجهات الداعمة لملفّ اللاجئين على معرفة تامّة بأنّ مخاطر إنتشار الـ»كوليرا» في التجمّعات السكنية للنازحين متأتّية بشكل أساسي من سوء بنيتها التحتية، ويبدو أنّ ليس هناك أفق لتحسينها مرحلياً، ما يضع القيّمين على حملة التلقيح في سباق مع الوباء لمجرّد إمتصاص تداعياته، الأمر الذي أكّده أيضاً وزير الصحة خلال مواكبته حملة التلقيح في يومها الثاني، شارحاً أنّ «الأرقام التي تتابعها الوزارة تظهر بأنّ إنتشار الوباء لا يزال مستمرّاً، ولكن نجد أنّ وتيرة المرضى في المستشفيات تتراجع، وكذلك وتيرة الوفيات».
تطويق الوباء
هذا الأمر يعكس بأنّ الوزارة تمكّنت من إمتصاص الحالات الشديدة العدوى عبر المستشفيات التي تمّ تجهيزها، بالتوازي مع الإجراءات الوقائية المتّخذة، إن كان على مستوى إستخدام الكلورين بالمياه، حيث أكدّ وزير الصحة في لقاء مع رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب على توزيعها مجّاناً على الصهاريج، أو من خلال وقف مصادر المياه غير الموثوقة. وكشف أيضاً عن 8 مختبرات لفحص المياه يتمّ تجهيزها في المستشفيات الحكومية، منها من بدأ عمله، وهذه الفحوصات ستكون مجّانية للبلديات والمدارس والمستشفيات بدعم من منظمة الصحة العالمية. وأوضح في المقابل «أننا لم نصل الى الوقاية وتأمين المياه السليمة والصرف الصحّي الى المكان الذي نريده، ونحتاج الى جهود أكبر، وبالتالي موضوع اللقاح يؤمّن الوقت حتى نستكمل الإجراءات المتوسطة والطويلة الأمد».
ختاماً، أبدى الأبيض رضاه عن الأرقام التي تمّ التوصل اليها في اليوم الأول لإنطلاق الحملة، كاشفاً أنّ عدد الملقّحين في اليوم الأول بلغ 26600 شخص بين لبناني وسوري من أصل 30 ألفاً جرى التحضير لإستهدافهم.
المصدر:نداء الوطن