كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
ينطوي خلال أيام موسم صيد الطيور البرّية في لبنان، يصفه الصيادون على أنّه أحد أسوأ المواسم التي مرّت عليهم. ليس السبب فقط لأنّ رحلات الصّيد كانت محفوفة بمخاطر مصادرة أسلحتهم وتغريمهم مخالفات مالية لخرقهم قرار وزير البيئة بعدم فتح الموسم، وإنّما أيضاً لكون «المرق»ـ وهي العبارة التي يطلقها الصيادون على الطيور العابرة بمواسم الهجرةـ بدا نادراً جداً في سماء لبنان هذا العام. وقد تراجعت أعداد هذه الطيور بسبب تأخّر العواصف التي تدفعها للهجرة من دول أوروبا. في وقت لاحظ الصيادون تبدّل مسارات الهجرة منذ بداية الحرب في سوريا، بسبب إفراغ الكثير من المناطق من أهلها فلم يعد هناك مراع واسعة يستريح فيها الطير المهاجر ويتغذّى من أراضيها.
في المقابل، إنعكس إنهيار العملة اللبنانية على مستلزمات رحلات الصيد ومتطلّباتها، حيث بات التحضير لها يحتاج ميزانية كبيرة، بدءاً بنفقات الإنتقال وملء خزانات السيارات بالبنزين، الى خرطوش الصيد وقد إرتفع سعر الصندوق من 70 ألف ليرة الى 70 دولاراً، والى الطعام والمنامة وغيرها من المتطلّبات، وهو ما جعل كثيرين يمتنعون هذا العام عن ممارسة هوايتهم الأحبّ. ليضاف إلى كلّ نكسات موسم الصيد المذكورة إستفحال ظاهرة إستخدام أساليب الصيد غير الشرعية، سواء بزرع الشباك والأفخاخ للطيور أو بالصيد ليلاً، والذي يعتبره الصيادون المحترفون جريمة بحق الطير وبحقّهم في آن معاً.
وإنطلاقاً من هذا الواقع، صار البحث عن أخبار الصيادين في وسائل التواصل الإجتماعي، مشبعاً بالشكاوى والإتهامات. فمرّة يوجّه اللّوم لوزير البيئة ويعتبر الصيّادون أنّه بإمتناعه عن فتح الموسم شرّع الفوضى مجدداً في ممارسة هذه الهواية. ومرّة تُنتقد الأجهزة الأمنية ويتّهمها الصيادون بأنها تركت كل المخالفات وتفرّغت لملاحقتهم في ممارسة هواية تشكّل متنفّسهم الوحيد، لتطال الشكاوى من يطلق عليهم الصيادون لقب «قنّاصي الليل»، الذين لا يقدّرون برأيهم فروسية الهواية التي تفترض إحترام الطبيعة وتنوّعها، ما يحرمهم من مشاهدة أسراب الطير نهاراً، حيث لم يغنم حتى الصّيادون الماهرون، إلا بعشرات الطيور في هذا الموسم، بعدما كانوا يفاخرون في السنوات الماضية بمئات منها، ويتباهون بعرض صورها.
«النادي اللبناني للصيادين»
يأسف مؤسس «النادي اللبناني للصيادين» إيلي مزرعاني في إتصال مع «نداء الوطن» لكون صيد الليل «صار موضة، علماً أنه محظّر قانونياً»، ويلفت الى تفاقم هذه الظاهرة خصوصاً بسبب الأوضاع الإقتصادية، «حيث أنه لا يحتاج الى تكاليف إنتقال طويلة، ويعتمد بشكل أساسي على نصب الأفخاخ للطيور المهاجرة، وهذه ظاهرة تتفشى بين البيوت، وهي من الأسباب التي تجعل أعداد الطير في سماء لبنان إلى تراجع، الى جانب العوامل البيئية، من تصحّر مناخي وتلوث وغيرها». ويجزم بأنّ «أي قرار بمنع الصيد لا يمكن أنّ يطبّق على الصياد، وإنّما لن يكون إلا مقدّمة لتعميم الفوضى بهذا القطاع».
وبحسب مزرعاني «لولا الوضع الإقتصادي والعوامل المناخية، لكانت إرتكبت المجازر بحق الطيور هذه السنة». ويأسف في المقابل «لأن تكون رخص الصيد في المواسم الماضية قد أدخلت مليارات الليرات للخزينة اللبنانية، وكان يفترض أن تنفق لتطوير الصيد المستدام، بينما نجد أنهم أخذوا الأموال ولم يقدموا شيئاً بمقابلها».
وزير البيئة
في إتصال مع وزير البيئة ناصر ياسين لإطلاعه على مآخذ الصيادين أكّد ياسين لـ»نداء الوطن» أنه لا هو شخصياً ولا وزارة البيئة ضدّ الصيد المستدام وتنظيمه. وشرح «أنّ الخلفية الأساسية لعدم فتح موسم الصّيد هذا العام، تكمن في أنه لم يحصل أي تقييم لمواسم الصيد السابقة، لفهم إنعكاسات القانون الذي طبّق سواء على تنظيم الصيد وخصوصاً بالنسبة لقمع الممارسات الجائرة والمخالفة، أو على التنوع البيولوجي المطلوب والحفاظ عليه». وأضاف: «إنّ للقرار أيضاً خلفيات إدارية قانونية، ذلك لأنّه بعد إنتهاء ولاية المجلس الأعلى للصّيد البرّي، لم يتمّ تشكيل مجلس جديد إلا في الجلسة الأخيرة لمجلس الوزراء. فيما مرسوم تشكيل هذا المجلس لم يصدر بعد في الجريدة الرسمية».
وأوضح ياسين في المقابل أنّ «وزارة البيئة تعمل على وضع إقتراحات لتحديث قانون الصيد بما يسمح بتنقية هذا النشاط من الشوائب والممارسات الخاطئة المرتكبة». وتحدّث عن ورش عمل نظّمت مع الصيادين توصلت إلى طرح أفكار كثيرة، ومن بينها إنشاء مناطق مخصّصة للصيد يكون دخولها منظّماً وخاضعاً للأنظمة والقوانين.
إلا أنّه، برأيه، «الممارسات المخالفة والجائرة في الصيد موجودة سواء فتح موسم الصيد أو لم يفتح. ونحن نلاحق المخالفين وخصوصاً بالنسبة لصيادي الليل، وهذا يتطلّب جهوداً إضافية من القضاء والقوى الأمنية بينما الوضع الاداري والأمني والقضائي في البلد ليس مساعداً».
وأشار الى «أنّ أخبار الصيادين ليست علمية في ما يتعلق بتقصير وزارة البيئة في إنشاء المحميات والعمل على تكثير الطيور وهي تضع جهوداً كبيرة في ذلك». وإذ لفت إلى أنّ الأموال التي تأمّنت من رسوم الحصول على رخصة ليست ضخمة، شرح في المقابل «أنّ هذه المداخيل تذهب إلى الخزينة العامة لتحدّد وجهة إنفاقها من ضمن الموازنة العامة، وليس هناك نظام يسمح بإنفاق هذه المداخيل في المكان الذي تمّت جبايتها منه». وتحدث ياسين عن ظهور أنواع طيور كانت قد بدأت تختفي من لبنان منذ سنوات، ليُقرّ بفضل الصيّاد المحترف في ذلك، بالإضافة إلى ما تركته الأوضاع الإقتصادية وظروف الحجر القاهرة من إنعكاسات إيجابية، أقلّه بالنسبة لتكاثر الطيور وإستعادة بعض تنوعها.
في المقابل، لا ينكر الصيادون بأن الأوضاع الإقتصادية حدّت من إندفاعهم هذا العام، وخصوصاً مع أخبار الصيادين المتكاثرة حول تراجع أعداد الطير، إذ لن يرغب هؤلاء بتكبّد النفقات الكبيرة لرحلة الصّيد، من دون أن يعودوا غانمين بما يرضي «العين والمعدة». ومع ذلك يؤكّد بعض الصيادين أنهم لم يمرّروا الموسم من دون أن يقصدوا الحقل ولو مرّة واحدة بصرف النظر عن فتح الموسم أو عدمه.
ومن هنا يأسف مزرعاني لإستمرار الفوضى بهذا القطاع، مؤكّداً «أنّ هناك دورة إقتصادية كاملة ستتأثر بتراجع الصّيد، وخصوصاً في القرى التي يقصدها الصيّادون سواء في بعلبك أو في شمال لبنان، حيث يحرّك موسم الصيد عجلة محطات البنزين، الشاليهات، الأفران والمطاعم. وبعض أصحاب هذه المؤسسات يعوّلون عليه كفايتهم لبقية فصل الشتاء».