كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن ،
لأنه لا بدّ من خاتمة لكلّ قصّة أو قضية، لم تتأخّر عائلة خالد المجذوب، الموقوف- الفارّ من أحد مستشفيات البقاع حيث كان يعالج كمتّهم في جريمة قتل، في الإعلان عن بلوغه البرازيل. فحاولت بذلك أن تختم قصّة شاركت الرأي العام بتفاصيلها في كلّ من لبنان والبرازيل، مذ قرّرت أن تضع نفسها في مواجهة القضاء اللبناني و”مماطلاته”. ونشرت الإثباتات على أن خالد إنتهى في “بلده الثاني الذي يقدّره” كما كانت تردّد زوجته منى، المتّهمة في القضية نفسها.
على صفحة “فايسبوك” حملت عنوان “نعم لإطلاق سراح خالد المجذوب” ومذيّلة بعبارات تتحدّث عنه كأسطورة في تأسيس إمبراطورية في عالم الزخرفة في وادي باريابا في ساوباولو البرازيلية، نشرت فيديوات لخالد منذ لحظة وصوله إلى مطار البرازيل، والإستقبال الذي أعدّ له ولزوجته الفارّة من المحاكمة معه. إذاً، لم يمح بعد هرب خالد الحساب الذي رافق مرحلة توقيفه، ربّما لشعور بالظلم الذي لحق به، أو لوقاحة ما. وبالتالي صارت الصفحة أيضاً مرجعاً لاستكمال مجريات قصته.
دموع وزغاريد وصلوات رافقت الإستقبال، حيث ظهر خالد على كرسيّ مدولب، بينما كان يعانق أفراد عائلته، ومن بعدها يؤم الصلاة بين جمع من القريبين.
ولكن، ما كاد الإعتقاد يسود بأنّ الجريمة التي لم يصدر القرار القضائي بشأنها وجدت خاتمتها في البرازيل التي لن تبلغها بالطبع الأحكام القضائية اللبنانية، حتى انتشر خبر آخر عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن وفاة الدكتور علي اليشرطي، شيخ الطريقة “الشاذلية اليشرطية” في لبنان والدول العربية. خبر كان ليمرّ مرور الكرام، لولا أنّه متعلّق بالمتهم الثالث في القضية نفسها، والذي كان وفقاً لمصادر قضائية يُحاكم غيابياً بسبب تواجده في الأردن. وقد نعاه أحمد الحريري في تغريدة له عبر “تويتر”، كما نعته صفحة المجذوب.
المفارقة هي أنّ محامي الدفاع عن اليشرطي كان قد تقدّم بطلب لكفّ يد قاضي التحقيق الأول في البقاع القاضية أماني سلامة عن القضية التي كانت تنظر فيها. وهو طلب يعيق وفقاً لمصادر قضائية إصدار قرار إتهاميّ في القضية، التي تؤكّد المصادر أنه جرى تسريع عجلتها نظراً للظروف الصحية التي كانت تحيط بخالد، وخرق قرار إعتكاف القضاة لهذه الغاية. علماً أنّ النيابة العامة الإستئنافية في البقاع أصدرت مطالعتها فيها، وهي مطالعة من 37 صفحة، تؤكد مصادر قضائية أنها تحمل عناصر الإدانة، إلا أنّها تتحفّظ عن ذكر تفاصيلها حفاظاً على سرية التحقيق، طالما أنّ القضية لم تبتّ.
أيام فقط فصلت بين فرار المجذوب وإعلان وفاة اليشرطي. وهذه مصادفات ترى مصادر قضائية أنها تثير تساؤلات، معربة عن شعور بإحباط خلّفته “تجاه ما وصلنا إليه من إنحلال سمح بكلّ المجريات. فصحيح أن مسار القضية كان بطيئاً، إلا أنّ ذلك هو واحد من تداعيات الأحوال العامة التي يعانيها لبنان وجعلت القضاة يعملون في أسوأ ظروف”. ولكنّ المصادر تتساءل في المقابل “كيف يمكن لبريء كما يدّعي، أن يختار الفرار من دون إظهار براءته؟ وهل يمكن لعملية فرار إلى خارج البلاد أن تحصل فعلاً لولا وجود من سهّل وتواطأ بذلك فعلاً؟ خصوصاً أنّ كلّاً من خالد ومنى لم يكونا يستحوذان على الوثائق الرسمية التي تسمح لهما بمغادرة البلاد على أي حدود لبنانية سواء أكانت برّية أم جوية”. وهذا الهروب برأيها “هو إثبات آخر على ما وصلنا إليه من انحلال في الدولة”.
حاولت “نداء الوطن” في المقابل التواصل مع منى زوجة خالد على الرقم البرازيلي الذي كانت تستخدمه لإعلام الصحافيين بالتحرّكات الشعبية الداعمة لزوجها أثناء فترة توقيفه. إلّا أنها ووجهت بامتناع عن الإجابة على الهاتف. فربّما لم يحن الأوان بالنسبة للزوجين أن يكشفا كامل تفاصيل قصتهما. فهل كان قرار الهرب نتيجة فعلاً للّاعدالة التي لحقت بهما بسبب توقيف خالد لفترة طويلة من دون محاكمتهما؟ وإذا كان الأمر كذلك، فهل هذا يعني أنهما سيعملان غيابياً على إثبات البراءة التي إدّعتها منى وعائلة خالد في الوقفات الإحتجاجية الداعمة التي نظّموها؟ أم أنهما سيقبلان بحكم الرأي العام الذي شاركاه بقضيتهما، وهناك من كوّن قناعته من هذا الرأي العام، وحتى في أوساط من شارك عائلة المجذوب بالوقفات الإحتجاجية. وجزء من هؤلاء لا يرى في “هوليوودية” مشهد الفرار وما تبعه من عروضات مستفزّة، سوى إثبات للتهم الموجهة إليهما، ما يعني أنّ خالد ومنى سيبقيان بنظر هذا الرأي العام، متّهمين إلى أن يثبتا براءتهما، خلافاً لقاعدة العدالة التي تعتبر المتهم بريئاً الى أن يثبت العكس. فهل تمّ الحفاظ على صفحة خالد على فايسبوك لخاتمة أخرى تنتظرها العائلة؟