كتب عيسى يحيى,
إقترب معظم اللبنانيين من الانفجار الاجتماعي الذي يهدد الآلاف في طعامهم وحياتهم، بعدما لامست معاناتهم الخطوط الحمر وسدّت في وجوههم سبل الخلاص والحلول، فأولوية الأوضاع المعيشية غائبة عن مسامع الحكومة وخططها الإصلاحية وإن كانت بنداً في بيانها الوزاري.
لم يترك الفقر منزلاً الا وطرقه في بعلبك الهرمل، العديد من المصالح والمحال أقفلت بعد تراكم الديون على أصحابها وقلّة العمل، والأجرة اليومية للعامل لا تكفيه لشراء طعام الغداء، فيما معاشات الموظفين في القطاعين العام والخاص يذهب أغلبها ثمن بنزين وأجرة نقل، وما بين تلك الحالات بطالةٌ تزداد يوماً بعد آخر بين فئة الشباب عمود المجتمع وصلبه ومن يُعتمد عليهم في إعالة عائلاتهم وأهلهم.
لليوم الثاني على التوالي يواصل الموظفون العامون اضرابهم في الإدارات والمؤسسات الرسمية احتجاجاً على الأوضاع المعيشية وتدني قيمة الرواتب، التي باتت لا تتناسب مع غلاء المحروقات وارتفاع كلفة النقل والتدفئة، ولا مع أسعار السلع الضرورية التي تزداد كل يوم من دون حسيب أو رقيب، وبين خيار التوجه اليومي إلى عملهم وانفاق ما في جيوبهم على البنزين، أو البقاء في المنزل واطعام عائلاتهم، اختاروا همهم المعيشي مع الإبقاء على تسيير أمور الناس ومعاملاتهم.
من احدى البلدات المجاورة لمدينة بعلبك يتوجه الموظف م. إلى عمله يومياً في الدائرة الرسمية التي يشغلها منذ عشرين عاماً، لم يتأخر يوماً واحداً عن دوامه الصباحي وفق حديثه “لنداء الوطن”، ويشير الى أن “الأوضاع المعيشية القسرية فرضت علينا الإضراب ونحن جزء من الشعب، لا نقبض بالدولار وكل زيادة على الأسعار لحقتنا، ولا يمكننا أن نستمر في ظل هذه الظروف التي نجتازها بشق الانفس، ولكننا وصلنا إلى طريق مسدود، فالحكومة لم ترفع المعاشات التي باتت لا تساوي 150 دولاراً او بدل النقل، وعليه كان قرار الإضراب ونحن نعلم أن ذلك سيصيب حياة الناس بالشلل وتتوقف معاملاتهم، ولكن صبرنا نفد ووصلنا إلى طريق مسدود”.
وعلى الضفة الأخرى يلاقيه زميله من بلدة دير الأحمر والذي يعمل في بعلبك أيضاً ويقول لـ”نداء الوطن”: “إن كلفة النقل الشهري التي يحتاجها تفوق المليون ونصف المليون ليرة وهي أكثر من نصف المعاش، اما كلفة التدفئة التي دخلنا فيها فعلياً فهي أكثر من ثلاثة ملايين ليرة شهرياً، الأوضاع إلى الأسوأ في ظل الشلل الحكومي والأزمة مع دول الخليج التي لا نعرف إلى متى ستستمر وكيف سنمضي أيامنا”.
إضراب الموظفين يلاقيه انتظار الخمسيني أحمد أمام مكتب الصندوق الوطني الضمان الاجتماعي لأخذ الموافقة على صورة شعاعية يحتاج اجراءها لزوجته، ويؤكد أن “الناس تشعر بالموظفين ووضعهم ولكن وضع زوجتي لا ينتظر التأجيل حتى مطلع الأسبوع القادم”، يسند كتفه على حائط المبنى، يستلّ سيجارته ويفكر كيف يتدبر أمره، يأخذ نفساً عميقاً ثم يقول: “والله وضعنا أسوأ من الموظفين بألف درجة”، اعمل على سيارة الأجرة وبالكاد استطيع أن أؤمن الحاجات اليومية وثمن المحروقات للسيارة، والفرق الذي سأدفعه للمستشفى كبير أيضاً ولكن “بحصة بتسند جرّة”، خاتماً بأن وجع زوجته وألمها برقبة أرباب السلطة من أصغرهم حتى رأس الهرم.
تشكّل قساوة الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية في بعلبك الهرمل مع بداية فصل الشتاء وتراجع قدرة المواطنين الشرائية تهديداً للأمن الاجتماعي، حيث تنشط عمليات السرقة بقصد تأمين الطعام أو التجوال على حاويات القمامة، علّها تحوي ما يمكن أن يسد قوت عائلات متعففة لا ترضى ذلّ الانفس، وما بينها خطر جمع الخردة ومخلفاتها التي تشكل تهديداً لأرواح جامعيها، حيث انفجرت قبل ايام قذيفة هاون في مخيم في بلدة دورس كانت ضمن خردة مجموعة بقصد بيعها، وأسفرت عن مقتل شخصين وجرح ثلاثة آخرين، سبقها بأيام مقتل طفل اثر انفجار قذيفة صاروخية جمعها أيضاً ضمن كيس خردة من احد شوارع بلدة بريتال.
المصدر:نداء الوطن