سوق زحلة يتوسّع مساحةً… وينكمش حركةً

كتبت لوسي بارسخيان في “نداء الوطن”: 

يقود رصد الحركة التجارية في مدينة زحلة على أبواب انتهاء عام آخر من اللاإستقرار المالي والمعيشي، إلى تسجيل إنطباعات متناقضة حول الواقع الذي بلغه سوقها، بعد خضّات متتالية تعرّض لها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري حتى يومنا هذا.

فمن ناحية لا يزال هذا السوق يستقطب إستثمارات جديدة، تمدّدت مساحتها في السنوات الماضية، لتتخطّى ما كان يعرف بالوسط التجاري، بحيث لم يعد محصوراً ببولفار المدينة، وإنما توسّع حتى باتجاه اوتوسترادها وأنحائها الحديثة، إنطلاقاً ممّا يعرف بتجمّع الستارغيت وحتى مدخل مقاهي البردوني.

ومن ناحية ثانية، زادت شكاوى مؤسّساتها المخضرمة على البولفار من تراجع أعداد المستهلكين، سواء الذين كانوا يقصدون سوق زحلة من أبناء المدينة وجوارها، أو من خارج لبنان، حيث صار خلو الطرقات من المارة في فترات بعد الظهر، أي عندما تقفل المصارف والمؤسسات الرسمية أبوابها، مشهداً معتاداً في معظم أيام الأسبوع، وحتى في فترة الأعياد الحالية.

في تقييمه لحال السوق التجاري في زحلة قبل نهاية العام الجاري، يعتبر رئيس جمعية التجّار زياد سعادة أنّ مجرّد الحفاظ على المؤسسات وديمومتها في هذه المرحلة يعتبر مكسباً بحدّ ذاته، ويؤشّر إلى كون زحلة من أقلّ المدن التي أقفلت فيها المؤسسات، إذ لم يتجاوز عددها الثلاث، واحدة منها فقط أقفلت خلال الأزمة، في مقابل إستقطاب المدينة إستثمارات جديدة لمؤسسات كبيرة.

إلا أنّ عدم إغلاق المؤسّسات بشكل كبير لا يؤشّر في المقابل إلى إزدهارها، فهناك محلات كثيرة تفتح وتغلق يومياً من دون طائل، ويعيش أصحابها حالة من البطالة المقنّعة، تنعكس حتّى على وجوه الموظفين برواتبهم المتدنّية، وأحياناً من خلال إطفاء مصابيح الإنارة في محاولة لخلق توازن بين نفقات هذه المحلات ووارداتها، وهذا من دون التطرّق الى نوعية بضائعها وكمّياتها.

لا ينفي سعادة وجود فئة من أصحاب الإستثمارات الفردية التي كانت الأكثر تضرّراً جرّاء الأزمة، وقد اختار هؤلاء التقليل من نفقات مؤسّساتهم بعد تراجع مداخيلها، خصوصاً أنّ بعضهم كان ضحية التعقيدات المصرفية التي لم تعد تسمح باستخدام جزء من مدخراتهم في تعزيز أعمالهم، فدخل قسم منها في حالة موت سريري.

ويضيف: «كجمعية تجّار، حاولنا التحفيز على الإستفادة من وسائل التواصل لتأمين أسواق للبضائع عبر العالم الإفتراضي الذي يسمح بعرض البضائع الموجودة في زحلة بعالم أوسع. كما طرحنا فكرة التخصّصية في استثمارات ناعمة لا تحتاج الى رساميل كبيرة، وشجّعنا على التعاون مع شركات كبيرة وخلق نوع من الشراكة معها، ولكن اصطدمنا أحياناً بذهنيات لم تستوعب التغيير المطلوب لهذه المرحلة، حتى لو كان في تقدير البعض أنّ الحفاظ على دور سوق زحلة التجاري لا يمكن أن يتحقّق من دون التحوّل إلى استهداف فئات جديدة من المستهلكين، بعدما فقد هذا السوق عصبه الرئيسي المتمثّل بالطبقة الوسطى.

إستدركت بعض المؤسسات هذا الواقع في المقابل، فعملت على تسريع عجلة تصريف بضائعها، وحوّلت رأسمالها التجاري سيولة مالية سمحت لها بتجديد البضائع المعروضة وإن برأسمال أقلّ، وهذه الفئة حافظت على زبائنها، وبالتالي صُنّفت من المؤسسات الناجحة في المدينة.

إلا أنّ النجاح في هذه الحالة وفقاً لسعاده هو في الحفاظ على المؤسسات من دون خسائر، أقله لإجتياز المرحلة الراهنة، خصوصاً أنّ العائق الأكبر بالنسبة للتجار يتمثّل في كون كلّ التعاملات التجارية صارت تتمّ نقداً، فيما السيولة غير متوفرة حتى من خلال المصارف التي تحجز الأموال. وهذا ما جعل الأمر صعباً بالنسبة للمؤسسات الصغيرة التي تعتمد على حسابات أصحابها الشخصية، وبالتالي لم تتمكّن من الحفاظ على إستقرارها.

لا شك أنّ تداعيات المصارف تركت أثراً كبيراً على معظم تجّار لبنان، لتظهر خصوصاً في أسواق زحلة التي كانت تستقطب بشكل أساسي الطبقة التي فقدت قدرتها الشرائية.

طبقة الدولارات الطازجة

ومن هنا يرى سعادة أنّه «حتّى تحافظ زحلة على دورها التجاري لا بدّ أن تتوجّه الى الطبقة التي لا تزال تتعامل بالدولارات الطازجة. وهي حالياً الفئة التي تملك القدرة الشرائية الأساسية في البلد». وبرأيه، «لا يمكن التذرّع بتراجع القدرة الشرائية لدى الناس للإنحدار بنوعية الخدمة المقدمة الى مستوى هذه القدرة. فهناك فئة يمكننا وعلينا الحفاظ عليها، إنّما علينا أيضاً التوسّع نحو إستقطاب الطبقة التي تتأمّن لها المداخيل بالدولارات الطازجة التي صارت ركيزة الاقتصاد. فأعداد المستهلكين تضاءلت كثيراً. ولكي تحجز المدينة حصّتها منهم، يجب أن تقدمّ خدمة ذات قيمة مضافة. وهذا لا يكون فقط بأنواع البضائع التي يوفّرها هذا السوق، وإنما بطريقة تقديمها وإتباع المظاهر العصرية وعناصر الجذب وكلّها عوامل مترابطة».

وهذا برأي سعاده يتطلّب قلب المعادلة التجارية في المدينة لإرضاء أذواق هذه الطبقة، مع الحفاظ على زبائن الطبقة الأقلّ قدرة شرائياً، والتي لا تزال المدينة تستقطبها في أسواقها الشعبية كسوق الأرمن مثلاً الذي حافظ على حركته التجارية على رغم الخضّات وإرتفاع أسعار البضائع بشكل عام. ويعتبر أيضاً أنّ للتنوع مسألة إيجابية في سوق زحلة، ولكن يجب أن يتّجه هذا السوق الى مزيد من التنظيم، وهذه عملية تراكمية برأيه أنه على القطاع الخاص أن يبادر بها.

ويشدّد سعادة على أهمّية هذه المبادرة الفردية وتراكميّتها في الحفاظ أولاً على المؤسسات الموجودة في زحلة وتطويرها بأفق مستقبلية، وهذا سيحتاج برأيه لإصلاح الخلل في النظام المصرفي، والى الإستقرار السياسي الذي يجمع التجّارعلى أنّ من دونه لا يمكن خلق إستثمارات جديدة.

على الرغم من سوداوية المشهد إذاً، يرى سعادة أن هذا العام كان كحركة تجارية أفضل من العام الماضي الذي تخللته إقفالات عديدة. ولكنّه يتساءل «هل تملأ هذه الحركة العجز المتراكم؟ أشكّ، هل تكون ذخيرة لفصل الشتاء؟ أيضاً هناك علامة استفهام، خصوصاً أن المعيشة باتت غالية والحركة ضعيفة»، لكنّه يرى في عودة المغتربين بموسم الأعياد بركة، وزحلة كغيرها ستنتظر بعض ثمار وصول مغتربيها وحلول الأعياد.

Exit mobile version