كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
لا تنتهي فصول المواجهات اليومية التي يخوضها أولياء الطلاب الذين يتعلّمون في الخارج مع المصارف، لانتزاع حقوق أولادهم بالإستفادة من القانون رقم 283 الصادر في آذار 2022، والذي يعطيهم الحق بتحويل أموال من ودائعهم للطلاب الجامعيين المسجّلين في الجامعات أو المعاهد التقنية العليا قبل العام الدراسي 2020 –2021.
وآخر فصول هذه المواجهات كانت يوم أمس في زحلة، حيث إعتصمت السيدة جهاد سيف الدين مع ابنتها البالغة تسعة أعوام في فرع بنك «سوسيتيه جنرال» بوسط المدينة، بعدما دخلته بناء لموعد مسبق، ورفضت أن تخرج منه بالقوة على رغم الإستعانة بقوى الأمن الداخلي، لتغادر بعد أكثر من ساعة من انتهاء دوام موظفيه، مع تعهّد خطيّ حصلت عليه من إدارة المصرف ومن القوى الأمنية بتحويل المبلغ المطلوب الى ابنها الذي يتعلّم طبّ الأسنان في أوكرانيا.
وجهاد زوجة نقيب متقاعد في الأمن العام اللبناني، وهي أم لأربعة أولاد، أصغرهم إبنتها التي أحضرتها معها الى المصرف. كان اثنان من أولادها يتعلّمان الطبّ في أوكرانيا. إلّا أن أحدهما الذي كان يتخصّص بالطبّ العام إضطر للتوقف عن متابعة دراسته، بعدما بات رصيد عائلته في المصرف لا يكفي لتغطية نفقات علمه، وتحوّل لبيع الأجهزة الخليوية.
فوفقاً لجهاد «كان لدينا مبلغ مئة ألف دولار، إلّا أننا لم نأخذ منه سوى 18 ألف دولار، بعدما حصّلنا الدولار على تسعيرة الـ8 آلاف ليرة للدولار»، أما مجمل المبلغ المتبقّي لديها فهو 10 آلاف دولار و5 ملايين ليرة، تقول إنّها ستكتفي بتحويل 6 آلاف دولار منه لابنها الذي يتخصّص بطب الاسنان، لأنها لن تسمح كما قالت بأن يخسر شهادته بعدما بلغ عامه الدراسي الأخير.
وكان آخر مبلغ نجحت جهاد بتحويله الى ابنها قبل عامين، ومن بعدها على رغم صدور قانون الدولار الطالبي لم تنجح كلّ محاولاتها بإلزام المصرف بتطبيق القانون. ومع ذلك بقيت تحاول منذ 4 اشهر إلى أن قررت كما تروي أن تعتصم في المصرف حتى يقبل طلبها. فروَت كيف حضرت مع ابنتها الصغرى الى المصرف بناء لموعد مسبق، وسألت عن إمكانية تحويل المال، ولما لم يُستجب لطلبها إعتصمت في الداخل ورفضت الخروج من المصرف على رغم الإستعانة بالقوى الأمنية. لتظهر بعد ساعات من المفاوضات معها مع ابتسامة أمل بأن ينفّذ المصرف تعهّده ويحوّل المبلغ المطلوب يوم الإثنين المقبل.
وبينما كانت الأجهزة الأمنية تدخل الى المصرف وتخرج منه، وتحاول إقناع جهاد بإنهاء إعتصامها، حضر الى باحة المصرف عسكري متقاعد في السلك الأمني، بقي يخدم في جهاز أمن الدولة لـ30 عاماً، هو جان أبو ياغي، الذي تبيّن أنّ لديه قصّة مشابهة لقصّة جهاد. فاثنان من أولاده يتخصّصان في فرنسا، وعلى رغم تزويده المصرف بكل المستندات كما يؤكد، وانتزاعه قراراً قضائياً يعطيه الحق بتحويل الأموال إلى ولديه، لم تنجح محاولاته منذ أكثر من عامين.
كانت ذريعة المصرف أنّ القانون المشار إليه يلزم المصارف بأن تجري التحويل لتغطية الأقساط الجامعية وبدلات إيجار السكن حصراً، وليس للمصاريف الشخصية للطلاب، على أن يتم تحويل المبلغ مباشرة الى الحساب المصرفي العائد للجامعة أو لمالك الشقّة المستأجرة، بعد دراسة المستندات. وهذه شروط كما أكّد أبو ياغي لا تنطبق على معظم الطلاب اللبنانيين في الخارج الذين لا يسكنون في شقق بل تجمعّات سكنية لا تقبل التحويلات المصرفية المباشرة.
حاول أبو ياغي أن يرفع الصوت تضامناً مع جهاد ومع قضيته، مشيراً إلى أنّ فكرة إقتحام المصرف راودته أكثر من مرّة، إلّا أنه لم يقدم على ذلك مراعاة لطلب عائلته وأولاده الذين يدرسون في الخارج، مبدياً كل التعاطف مع جهاد ومع كل الشباب اللبناني الذي تلاحقه أزمات بلده لتحرمه من أبسط حقوقه وطموحاته.