كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
من جولة المدير الإقليمي لدائرة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا جان كريستوف كاريه مع زغيب في مطمر زحلة
في ظلّ التدهور المستمرّ لمعظم الخدمات الإنمائية نتيجة إنهيار الليرة اللبنانية، وتراجع إمكانيات البلديات المالية، حيث لم يعد معظمها قادراً سوى على دفع رواتب الموظفين والقيام ببعض الخدمات الأساسية… تبقى مشكلة إدارة النفايات ومعالجتها في معظم البلدات والقرى اللبنانية من أبرز الأعباء وأكثرها خطورة، لما يمكن أن تخلّفه من تداعيات على البيئة وصحّة المواطنين. فكيف إذا كانت هذه النفايات ومعالجاتها العشوائية جزءاً من مشاكل التلوّث المزمنة التي يعانيها الحوض الأعلى لنهر الليطاني؟
هذا الواقع شكّل محور إهتمام لافت في الأيام الماضية من قبل وزارة البيئة والبنك الدولي، بعد إجراء دراسات تقييمية لواقع 4 معامل ومطامر لفرز النفايات في محافظتي بعلبك-الهرمل والبقاع، أظهرت تبدّلاً كبيراً في أولويات حاجاتها للحفاظ على أدائها التشغيلي. وباتت هذه الأولويات تتركّز حول تأمين المحروقات لتشغيل المعدّات، ورصد المبالغ الضخمة لقطع التبديل والشحوم والإطارات التي إرتفعت قيمتها بشكل كبير، وإلى الطاقة الكهربائية، وغيرها من البديهيات التي كانت تؤمّن بشكل تلقائي، قبل أن يتحوّل فقدان هذه الأساسيات سبباً رئيسياً لتوقّف عجلة معالجة النفايات في بعض المعامل والمطامر.
هذا الواقع كان محور نقاش في الأسبوع الماضي بين فريق من وزارة البيئة برئاسة الوزير ناصر ياسين، مع ممثلين عن محافظي بعلبك والبقاع وعن البلديات المعنية بـ4 مطامر أساسية في مناطق زحلة، بعلبك، جب جنين وبرالياس. اذ عقد ياسين إجتماعاً في زحلة، بحضور ممثلين عن البنك الدولي، كشف خلاله عن التوجّه لنقل جزء من وفر في قرض البنك الدولي خصّص سنة 2016 لتعزيز شبكات الصرف الصحّي ومحطّات تكرير المياه الآسنة في مناطق الحوض الأعلى لنهر الليطاني، إلى معامل فرز النفايات والمطامر الصحّية من أجل تطويرها، علماً أنّ هذا القرض يتضمّن مبلغاً بقيمة 55 مليون دولار وتبلغ مساهمة الدولة اللبنانية فيه 5 ملايين دولار وتنتهي مدّته في حزيران 2023.
إلا أنّ تطوير العمل في إدارة النفايات سيستغرق وقتاً، خصوصاً أنّ المعوّقات لا تتعلّق فقط بالإدارات الرسمية اللبنانية، وإنما بالواهبين الذين يتأخّرون عادة بإقرار هباتهم. ومن هنا تحدّث ياسين عن مساعدة تقنية ستسبق مرحلة التطوير، حفاظاً على القدرة التشغيلية الحالية بالحدّ الأدنى، حتى لا نعود الى زمن المكبّات العشوائية.
مع أنّ الكلام تميّز بالهدوء، إلّا أنّه كشف عن شكاوى مشتركة من البلديات، وقد رفض رؤساؤها الذين حضروا الإجتماع تحميلها المسؤوليات في ما وصلت إليه بعض معامل الفرز من واقع متردّ، خصوصاً في ظلّ المداخيل المتدنية للبلديات. وهو أمر إختصره رئيس بلدية زحلة أسعد زغيب من خلال صورة عرضها على وزير البيئة تشير إلى الحال التي وصلت اليه إطارات إحدى الجرّافات المستخدمة في مطمر زحلة، موضحاً أنّ تغيير 4 إطارات لـ»بولدوزر» يعمل في المطمر بات يوازي ميزانية بلدية.
إلّا أنّ وزير البيئة بدا مصرّاً في المقابل على المسؤولية الأخلاقية التي تتحمّلها البلديات أقلّه في حماية صحّة مواطنيها، مختصراً الكلام بالقول: «فليستقِل رئيس البلدية الذي سيتسبّب بضرر لأهل منطقته من خلال حرق النفايات».
مع أنّ النقاش أظهر تفاوتاً في حال المطامر الصحّية فإنّه لا شكّ كشف عن ذهنيات إدارة مختلفة في كل من المطامر الأربعة، جعلت زحلة تتقدّم على باقي البلديات في حفاظها ولو بالحدّ الأدنى على الإدارة السليمة لمعمل الفرز فيها ومطمرها الصحّي، على رغم كلّ الصعوبات التي تواجهها من الناحية المالية. علماً أنّ مطمر زحلة يعالج نفايات المدينة مع نفايات 26 بلدة مجاورة، ويؤكّد زغيب «أنّها إذا لم تكن بيئياً بخير لن تكون المدينة بخير». أمّا بالنسبة لباقي معامل الفرز فإنّ واحداً منها لا يزال يعمل بالحدّ الأدنى، فيما وضع المطامر الصحّية يبدو أكثر سوءاً.
محطة زحلة
إلا أنّ ذلك لا يعني أنّ إدارة المطمر في محطة زحلة تسير بيسر، بل على العكس هي لا تتمّ إلّا بشّق النفس. وللنزوح السوري دور في زيادة العبء، حيث شرح زغيب أنّه بعدما كان المطمر يعالج 180 طن نفايات يومياً، صار يصله 270 طناً، فيما المنظّمات تكتفي ببعض الهبات التي تسهم بتطوير واقع المطمر، لتبقى مشكلتنا الحقيقية في كلفة الطمر وتشغيل المعمل، وتبلغ وفقاً لزغيب 42 دولاراً. ولا تتقاضى بلدية زحلة من البلديات في المقابل سوى 13 دولاراً على سعر الصرف الرسمي المحدّد حتى الآن بـ 1500 ليرة. ومن هنا تحدّث زغيب عن الأعباء التي باتت تلقيها إدارة المطمر على البلدية كتحمّلها مثلاً فاتورة الكهرباء بعدما صارت تفوق إمكانيات المشغل، وإستعدادها لتحمّل كلفة معالجة عصارة النفايات بعد تجهيز محطة لتكريرها بتمويل إيطالي. وهذه عملية مكلفة ولكنّها وفقاً لزغيب توفّر مساحة أرض لإضافة خلية جديدة لطمر النفايات.
القرعون
بالمقابل، في القرعون الواقع أكثر تعقيداً، وإن كان معمل الفرز يعمل حالياً بعدما تمّ إصلاح أعطاله بمبادرات من مشغّليه، إلا أنّ نفقات الصيانة والمحروقات التي يتطلّبها المعمل في المقابل تشكّل العائق الأكبر لإستمراريته. لتبدو مشكلة البقاع الغربي الأكثر تعقيداً مع المطمر الصحّي في جب جنين، المتوقّف منذ مدّة بسبب إعتراضات الأهالي عليه، علماً أنّ محاولات تجري لإستيعاب الإعتراضات من خلال تركيب جهاز «بيوفيلتر» لتخفيف الروائح الناتجة عن المطمر.
بعلبك
في بعلبك ثمة رواية أخرى تتعلّق بإحتراق جزء من تجهيزات معملها لفرز النفايات، الذي كان مقسّماً الى قسمين، قسم للفرز وقسم للكومبوست. وبعد وضع البنية الجديدة لمعمل جديد، كان يفترض أن تنقل اليه معداّت المعمل القديم، تبيّن أنّ معظم هذه المعدّات لم تعد صالحة. غير أنّ المشكلة في بعلبك لا تختزل بمعمل الفرز. فعلى رغم تجهيز مطمر صحيّ يمكنه أن يستوعب كل نفايات المحافظة وفقاً للدراسة التي أعدّها خبراء وزارة البيئة، هناك إصرار على إستخدام المكبّ العشوائي القديم في منطقة الكيال، الأمر الذي يصعّب مهمة تأمين واهب لتطوير المطمر ومعمل الفرز فيها، خصوصاً أنّ الواهب الإيطالي مهتمّ بمعلم «الكيال» التاريخي، ومصرّ على رفع الضرر البيئي الناتج عن تحويله مكبّاً للنفايات.
برالياس
أماّ معمل الفرز ومطمر برالياس فيتصدّر واقع المشكلات التي تعاني منها هذه المطامر في البقاع. فمع أنّ هذا المطمر حديث الولادة، فقد توقّف كلّياً عن العمل إثر تنحّي المتعهّد عن تشغيله نتيجة لفرق الأسعار الذي تسبّب به إنهيار سعر الليرة، لتتحوّل البلديات التي كانت تنقل نفاياتها إليه وهي برالياس- قب الياس – والمرج نحو المكبّات العشوائية مجدّداً، مقابل تحوّل أجزاء من المطمر الحديث لرمي النفايات عشوائياً وإحراقها أحياناً، ما تسبّب بإحتراق أحد الخلايا فيه، علماً أنّ المطمر بات عرضة للسرقات التي تتطلّب تأمين سياج حام له.
في ظلّ هذا الواقع، بدا واضحاً أنّ الحديث عن تطوير المطامر من دون تأمين قدرة تشغيلية محلية لها، لن يؤدّي الى النتائج البيئية المرجوّة، وهذا سيحتاج الى تأمين مصادر تمويل ذاتي تؤمّن إستدامة العمل في هذه المطامر حتى بعد إنتهاء مشاريع القروض والمساعدات لها.
وفي هذا الإطار، كشف وزير البيئة عن محاولته تضمين مشروع الموازنة الذي أقرّ أخيراً، إضافة رسوم مباشرة تجبيها البلديات لإدارة النفايات الصلبة. إلا أنّ مجلس النواب رفض ذلك، ولذلك أعيد طرح الموضوع بإقتراح قانون سيعرض على اللجان النيابية المختصّة.
وفي هذا الوقت، إقترح ياسين تشكيل لجان دعم للخدمات العامة في كل بلدة تغطّي النفقات الأساسية المطلوبة وخصوصاً في ما يتعلّق بالنفايات، وتؤمّن حلولاً مرحلية، وشدّد على ضرورة أن تفكّر البلديات جدّياً بتطبيق عمليات الفرز من المصدر، وذلك بعدما طرحت مجدداً إشكالية ما تتعرّض له المفروزات من سرقة، يتّهم بها النازحون السوريون.