كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
قاسياً وحزيناً يمرُّ عيد الميلاد هذا العام على البقاعيين وأوضاع الكثيرين منهم تحت خط الفقر، وجنون الدولار المتلاعب صعوداً وهبوطاً ومعه أسعار يعجزون عن مجاراتها وتأمين متطلّبات العيد التي إعتادوا أجواءها كل عام في سبيل البهجة والفرح.
لم يقتصر عيد الميلاد يوماً على أبناء الطوائف المسيحية في بعلبك الهرمل، يتشاركون والمسلمين زينته وتقاليده، يعدّون العدّة لليوم المبارك من طعامٍ وحلويات وما يلزم أجواء السهر، وينهمكون قبل أسبوع بشراء شجرة الميلاد ولوازم زينتها لتضيء بيوتهم على أمل أن تضاء معها أيامهم بالفرج، ويخرج العديد منهم للسهر خارج بعلبك، وآخرون يحجزون في مطاعم المدينة التي تعدّ أجواء احتفالية وسهرات ميلادية حيث تضج كل عام بالمحتفلين من الطائفتين. غير أنّ هذا العام كان مختلفاً على كافة الصعد في ظلّ الغلاء الذي يسيطر على مختلف الجوانب الإقتصادية والحياتية، ويشقّ الدولار طريقه وصولاً الى الخمسين ألفاً مع نهاية العام، فالناس أعادت ترتيب أمورها وتخلّت عن أجواء الفرح قسراً مقابل تأمين اللوازم الأساسية.
باهتاً بدا سوق بعلبك التجاري هذا العام من دون زينة ميلادية، وجامداً كان على صعيد الحركة التجارية التي اعتاد التجّار نشاطها في هذا الموسم ومنهم بائعو أشجار الزينة ولوازم الميلاد، فارتفاع الأسعار والغلاء الذي وصل حدود أبسط الأشياء وحرمان الناس من مقوّمات فرحهم، دفع بالعديد منهم الى التخلّي عن عاداتهم السنوية، ويقول صاحب أحد المحال التي تبيع لوازم الزينة والأشجار لـ»نداء الوطن»: «إنّ الحركة هذا الموسم كانت معدومةً جداً، فالأشجار التي قمنا ببيعها لم يتعدَّ عددها أصابع اليدين، الكلّ استغنى عن الزينة، والبعض أعاد تركيب التي كانت لديه العام الفائت وقبله، والأشياء الأخرى كاللباس وأدوات الترفيه وغيرها لحقت أيضاً بركب بيع الأشجار الميلادية، فأوضاع الناس لا تحتمل الأسعار، فأصغر شجرةٍ لا يقل ثمنها عن 20 دولاراً وهو راتب موظف في أغلب الأوقات، والهمّ المعيشي يطغى على ما عداه».
يشكو أصحاب محال الحلويات أيضاً ندرة البيع هذه الأيام أيضاً، فإضافةً إلى غلاء الأصناف نتيجة إرتفاع أسعار المواد الأولية التي تباع بالدولار من زيت وسكّر، إتّجهت الناس إلى إعداد ما تريده في المنزل ووفق الكمّيات التي تحتاجها وتستطيع تأمين لوازمها، ناهيك عن إستغناء الكثيرين في المنطقة عن تقليد شراء الحلويات في رمضان والميلاد وفق ما يقول أحد أصحاب محال بيع الحلويات، مشيراً أيضاً إلى الوضع المعيشي ولزوم التدفئة في هذا البرد القارس الذي يشلّ تفكير المواطنين، ويحصر همّهم في تأمين ما أمكن من مازوت وحطب لأولادهم.
ورغم كل الأحداث ومجرياتها، تبقى نوافذ الأمل مدخلاً لإشاعة الفرح بين الناس، وتضيء سماءهم بالأحلام التي يتمنّون تحقيقها. ووسط غياب الزينة الميلادية في ساحة المطران قرب قلعة بعلبك، قامت جمعية «سوا» بإضاءة الشجرة الميلادية عصر أمس والمصنوعة من عبوات بلاستيكية ومواد يعاد استخدامها، ضمن مشروع تغيير السلوك المجتمعي للحدّ من التغيّر المناخي والحفاظ على البيئة ومواردها الذي تنفّذه الجمعية بتمويل من منظمة اليونيسف، وتمّ تصميم الشجرة بمبادرة من مجموعة شبابية، بالإضافة إلى مجموعات أخرى عملت على استبدال أكياس النايلون بالقماش في سبيل حماية البيئة.