بقلم لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
من لقاء التهنئة الذي جمع المطران إبراهيم مع المفتي الغزاوي
أضافت مناسبة الأعياد التي تزامنت هذا العام مع انتخاب مفتٍ محلّي جديد لمنطقة البقاع، حيوية إستثنائية على المشهد البقاعي العام، فحرّكت مياه العلاقات الراكدة في المنطقة، وأطلقت المواقف من مختلف الملفات الوطنية، لتشدّد خصوصاً على أهمّية إنهاء حالة الفراغ في رأس هرم السلطة السياسية، وانتخاب رئيس للجمهورية في أسرع وقت.
فبين دُور الأبرشيات في زحلة ومقرّ أزهر البقاع في مجدل عنجر، تنقّلت حركة المهنّئين، وخصوصاً السياسيين أو الطامحين لمراكزهم، لتشكّل أبرشية زحلة والفرزل والبقاع للروم الملكيين الكاثوليك وأزهر البقاع لولب هذه الحركة.
وعليه، توّج عيد الميلاد الذي يحتفل به راعي الأبرشية الكاثوليكية إبراهيم إبراهيم للمرة الثانية خلال ولايته، وبداية السنة الأولى من ولاية المفتي المنتخب علي الغزاوي، بتطلّعات إلى الدور الذي يمكن أن تؤدّيه هاتان المرجعيتان الدينيتان في منطقة البقاع تحديداً، والذي يمكن أن يملآ من خلاله الفراغ الذي خلّفه غياب مرجعيتيهما السياسية المحلية والمركزية.
في أبرشية زحلة الكاثوليكية، أشاد المهنّئون بالإنجازات التي حقّقها المطران إبراهيم خلال السنة الأولى من ولايته. ومع أنّ معظم تصريحات الفاعليات أجمعت على الإشادة باتفاقية التعاون التي أرساها بين مستشفى تل شيحا، التابعة لسلطته في زحلة، ومستشفى أوتيل ديو في بيروت، اعتبر المراقبون أنّ نجاح إبراهيم يُختزل حتى الآن باستعادة العلاقة الهادئة مع مختلف أبناء رعيته، وتعاطيه الموضوعي مع جميع فاعلياتها، وعلى رأسها «الكتلة الشعبية» ورئيستها ميريام سكاف، بعد توتر ساد علاقتها بالمطران السابق عصام درويش. فيُمهّد المطران إبراهيم بذلك، كما يرى المراقبون، لدور أشمل يمكن لأبرشية زحلة الكاثوليكية أن تؤدّيه في أكثر من استحقاق على المستويين المحلي والوطني، يستعيد من خلاله بعض تجربة حقبة المطران الراحل أندره حداد، وخصوصاً على الصعيد السياسي.
ومثل هذا الدور يبدو مطلوباً من رأس الكنيسة الكاثوليكية في زحلة، وفقاً للمراقبين، وخصوصاً في ظل غياب المرجعية الكاثوليكية المحلية في زحلة، مع أنّ المدينة نعتت تاريخياً بعاصمة الكثلكة في الشرق الأوسط. هذا في وقت يعتبر المعنيون بشؤون الطائفة الكاثوليكية أنّ صحّة الكاثوليك على صعيد لبنان هي من صحّة الطائفة في زحلة تحديداً، واستعادة دورها على الصعيد الوطني لا يتحقّق إلا من خلال استعادة حضورها السياسي في زحلة، من دون أن يعني ذلك ضرورة عودة عقارب الساعة الى زمن الإقطاعيات.
وبالنسبة إلى المعنيين بشؤون الطائفة، فإنّه لا بدّ أن يكون للمرجعية الكنسية دور في قراءة نتائج الإنتخابات النيابية الأخيرة في دائرة زحلة خلال سنة 2022، تمهيداً لإعادة تقييم هادئة لحال الطائفة الكاثوليكية التي لم تتمكّن من فرز شخصيات سياسية لها حيثية تؤهّلها لترؤس اللوائح الإنتخابية، حتى لو كان تحلّل الدور الكاثوليكي في زحلة يشكّل إنعكاساً لتداعيات الإنشقاقات العمودية على الصعيد السياسي، وقد وقفت الطائفة الكاثوليكية موقفاً محايداً تجاهها حتى الآن.
واستعادة الدور الكاثوليكي في زحلة، توازيه في قضائها محاولة استعادة ولو ملامح المرجعية السنّية المحلية التي وفّرها المفتي الراحل خليل الميس في منطقة زحلة وقضائها قبل وفاته. وبحسب المعنيين بانتخاب المفتي علي الغزاوي، فإنّ النتائج التي رسّختها هذه الإنتخابات يمكن أن تشكّل منطلقاً لإرساء مرجعية محلية، تتخطى الدور الديني والإجتماعي الى الدور السياسي، وهو ما عوّل عليه أكثر من مرجع بقاعي خلال مرحلة انتخاب المفتين المحليين.
ولعلّ هذا الدور المنوط بمفتي زحلة والبقاع الغربي تحديداً، هو الذي وقف خلف الحيوية التي رافقت انتخابه قبل أسبوع، والحماس الذي تخطّى الهيئة الناخبة الى الفئات السنّية الشعبية، عاكساً تطلّعات أبناء الطائفة للتعويض عن الفراغ السياسي الذي تسبّب به الإنسحاب المفاجئ لتيار «المستقبل» ورئيسه من الحياة السياسية.
إلّا أنّ زحمة المهنّئين الطامحين لرضى المفتي الجديد من مختلف الطوائف، أظهرت أنّ التعويل على الدور الذي يمكن للمفتي الجديد أن يؤديه، ليس حكراً على أبناء الطائفة السنّية، وإنّما شمل أيضاً الطامحين للمواقع من مختلف الطوائف الأخرى، والذين يجدون في كَسب رضى المفتي فوزاً برضى القاعدة السنّية وتأييدها في الإستحقاقات المقبلة.
غير أنّ البعض يرى في محاولة استدراج المرجعيات الدينية الى المحاور السياسية هذه، سواء على المستوى الكاثوليكي أم السنّي، رهانات خاطئة، خصوصاً في ظلّ الظروف الإقتصادية والإجتماعية القاسية التي تهيمن على يوميات البقاعيين كما سائر اللبنانيين، والتي أرخت بهواجسها على لقاءات المعايدة والتهنئة، وأظهرت مدى تقدّم همّهم المعيشي على الحسابات السياسية. وهذا ما يحتّم على المرجعيات «التعالي فوق الإنقسامات والإصطفافات من أجل وحدة اللبنانيين في هذه المنطقة»، كما أكّد المطران إبراهيم خلال تهنئته المفتي الغزاوي بانتخابه، ليردّ الأخير عليه بالتشديد على كلّ ما يجمع، قائلاً: «كما أنّ ليس بين قلوبنا حدود، ليس بين اللبنانيين حدود، لأنّ حدودهم حيث وصلوا، ولبنان توزّع في الأرض كلها وكأنّه أشبه ما يكون بالقلب».