يطوي اللبنانيون العام الحالي، الذي فُتح في نهايته ملفا فساد إداريين من العيار الثقيل، على أمل بأن لا تدخل هذه القضايا في الزواريب السياسية وبازارها، وصولاً إلى المقايضات المعتادة. فقد شهد الشهران الأخيران من العام الحالي دخول شعبة المعلومات على مغارتي النافعة (الأوزاعي والدكوانة) وعقارية بعبدا، حيث أوقف نحو ستين موظفاً ومعقب معاملات في النافعة ونحو أربعين موظفاً ومعقب معاملات في بعبدا. وما زالت التحقيقات في القضاء المختص بكلا الملفين سارية. لكن سيحتفل الموقوفون بعيد رأس السنة في السجن، رهن التحقيق.
عقارية بعبدا ما زلت مقفلة
فيما تسيّر نافعة الأوزاعي (بعد توقف غالبية الموظفين) المعاملات المنجزة بعد تخصيص بعض الموظفين لها، ما زالت عقارية بعبدا (أمانة سجل بعبدا) مقفلة أمام المواطنين، بسبب توقيف كل الموظفين. ووفق مصادر “المدن” سيصار إلى تأمين موظفين لقلم بعبدا بعد عطلة الأعياد، لأن لا أمل بخروج الموقوفين من السجن قريباً، حيث هم رهن التحقيق. وقد أحيل 35 موقوفاً (بينهم ثلاثة معقبين معاملات) إلى قاضي التحقيق الأول نقولا منصور، بتهم تقاضي الرشاوى والإثراء غير المشروع، هذا فيما ما زالت التحقيقات مستمرة في النيابة العامة، ويتم استدعاء أشخاص آخرين في الملف.
فسخ قرار منصور
أما في جديد ملف النافعة، فقد فسخت الهيئة الاتهامية في جبل لبنان برئاسة القاضي بيار فرنسيس، يوم أمس الثلاثاء، قرار قاضي التحقيق الأول نقولا منصور في ملف رئيسة هيئة إدارة السير هدى سلوم، التي أبقيت موقوفة رهن التحقيق.
وكان منصور أبطل جزئياً محضر التحقيق مع سلوم الذي أجرته المحامي العام القاضية نازك الخطيب، بسبب وجود عيب بالشكل لناحية عدم وجود اختصاص مكاني، ولعدم توقيع الكاتب محضر التحقيق. لكنه في المقابل اعتبر أن وقائع التحقيق تشكل جرماً، فرد الدفوع الشكلية التي تقدم بها وكلاء سلوم لإخلاء السبيل، وأصدر مذكرة توقيف وجاهية بحق سلوم، لإعادة التحقيق معها.
النيابة العامة الاستئنافية في بعبدا ووكلاء سلوم استأنفا قرار منصور. وكلاء سلوم لإخلاء سبيلها واستئنافية بعبدا لإعادة النظر في القرار. لكن القاضي فرنسيس فسخ قرار منصور معتبراً أن التحقيقات الأولية سليمة ولا تشوبها عيوب شكلية. وفي انتظار قرار محكمة التمييز، التي سيلجأ إليها وكلاء سلوم، لتمييز قرار القاضي منصور، ستبقى سلوم موقوفة في السجن. وبطبيعة الحال، لن يتمكن منصور من متابعة التحقيق مع سلوم، بعد جلسة الاستجواب التي حصلت سابقاً، قبل بت محكمة التمييز بالقرار.
مسار طويل
مصادر متابعة للملف أكدت أن سلوك وكلاء سلوم هذا المسار القانوني الطويل، يعني أنه لم يعد لديهم أي أمل بإخلاء السبيل. ففي العادة، يكون مسار محاكم التمييز طويلاً حتى من دون وجود الشغور الحالي في محاكم التمييز، بعد تقاعد عدد لا بأس به من القضاة، ولا تعيينات جديدة مكانهم. أما الاعتكاف القضائي الحالي فسيؤخر بدوره البت بهذا الملف، ما يعني بقاء سلوم موقوفة رهن التحقيق.
وتضيف المصادر أن قرار منصور بإبطال التحقيق الأولي، الذي طالب به وكلاء سلوم في الدفوع الشكلية لناحية الاختصاص المكاني وعدم توقيع المحضر، كان يفترض أن يتبع بإخلاء السبيل. لكن يبدو أن منصور رأى أن هناك وقائع دامغة تدين سلوم وزملاءها في ملف فساد النافعة، كي يبطل التحقيق الأولي جزئياً ويبقي على وقائعه على اعتبار أنها تشكل جرماً.
ووفق المصادر، بمعزل عن “العيوب الشكلية” التي قامت بها القاضية الخطيب، إلا أن طريقة عملها وصولاً إلى التحقيق مع الموقوفين كانت دقيقة. فقد جمعت المعلومات قبل التوقيفات وباغتت الموقوفين وانتزعت الاعترافات. وبالتالي، استخدم منصور صلاحيته كقاضي تحقيق لإعادة التحقيق مع سلوم، رغم إبطاله الجزئي للتحقيق الأولي، وذلك وصولاً إلى إصدار قراره الظني، لتحال بعده سلوم إلى محكمة الأساس. لكن استئناف قراره كما حصل، وتمييزه لاحقاً، يعني أن وكلاء سلوم فضلوا هذا المسار الطويل، على القرار الظني، كما تؤكد المصادر، مضيفة أن أطرافاً عدة في الملف تنتظر حصول مقايضات سياسية ما، كما يحصل عادة في لبنان.
توقيف نحو مئة موظف في هاتين الإدارتين، اللتين يعاني فيها اللبنانيون منذ عقود، وتُركوا خلالها رهن الابتزاز والرشاوى.. يعطي بارقة أمل بإمكانية فتح العام المقبل ثغرة في جدار الفساد. فرغم الاعتكاف القضائي، وشلل إدارات الدولة، أدى بعض القضاة دورهم وأعطوا اللبنانيين فرصة مشاهدة رؤوس كبيرة تتدحرج إلى السجن، ولو أقله لقضاء عطلة الأعياد فيها، طالما أنهم اعتادوا على التدخلات السياسية التي تقفل الملفات كأن شيئاً لم يكن!