بقلم لوسي بارسخيان،
عندما يلقي أهالي زحلة والبقاع مساء اليوم نظرة الوداع الأخيرة على سنة 2022، قد يكتشفون أنّ بإمكانهم شطب السنة المنقضية من روزناماتهم من دون أن يتبدّل شيء في المشهد.
كانت سنة 2022 بالنسبة للبنانيين عموماً عام تمدّد الأزمات، وتحوّلت في يومياتها تعداداً يومياً لـ12 شهراً من الإنتظارات المتواصلة. الإنتظار في باحات الأفران للحصول على ربطة خبز، في مشهد إستنسخ مشهد الإنتظارات بباحات محطات الوقود من أجل صفيحة بنزين في العام السابق. وقد اقترن المشهد في البقاع مع التزاحم على ربطة الخبز وتناتشها بين أهالي المنطقة والنازحين السوريين، ما أجّج المشاعر العنصرية لدى البعض حتى في المجتمعات الأكثر ترحيباً بالنازحين السوريين. إنتظار موعد في مصرف ما من أجل إقناعه بتسديد حوالة طالب في الخارج، أو حتّى لتسديد فاتورة مستشفى في الداخل، وتخلّل المشهد في البقاع أيضاً إقتحامات لبعض المصارف وتهديد بالإنتحارات كان أبرزها الإقتحام الذي نفّذه المودع علي الساحلي في أحد مصارف شتورا، وخرج من بعده خالي الوفاض… حجز المكان في صفوف المنتظرين أمام الصرّافات الآلية لسحب راتب، أو إقتحام عالم صيرفة من أجل بضعة دولارات لا تسدّ فجوة العجز الذي ضرب معظم ميزانيات العائلات.
وقد باتت الطوابير أمام المصارف سمة مشتركة بين اللبنانيين والنازحين أيضاً، بعدما كانت طوابيرهم تستفزّ أصحاب الودائع غير القادرين على بلوغ دولاراتهم في المصارف. الإنتظار اليومي لسعر الدولار وتقلّباته في السوق الموازية، وبالتالي تردّدات تعاميم مصرف لبنان في لجمه. إنتظار الحوالات الخارجية من المغتربين الذين باتوا السند الأساسي في كلفة المعيشة، وبات التعويل عليهم أساسياً في زحلة والبقاع، حتى من قبل الجمعيات الإنسانية التي كبُرت مسؤولياتها في تأمين الدواء والمازوت الى جانب صناديق الإعانات.
إنتظار فتح الإعتمادات المالية لتأمين الحاجيات الحياتية الأساسية. وبالتالي إنتظار الكهرباء التي طال غيابها هذه المرّة، ومن ثم إنتظار المفاجأة الشهرية لإرتفاع فاتورة المولّدات الخاصة، وفي زحلة وقضائها إنتظار مصير شركة كهربائها التي لم يمدّد عقدها سوى للأشهر الأولى من السنة المقبلة تاركاً مصيرها معلّقاً بمصير عجلة البلاد المعطّلة. إنتظار الدواء المقطوع في الصيدليات وحتى بعض حليب الأطفال… إنتظار إنتهاء إضرابات الدوائر المسيّرة لشؤون الناس وإعتكافات القضاء، وما رافقها في البقاع من أحداث بوليسية توّجت بهرب موقوفين تحوّلت قضاياهم قضايا رأي عام وآخرها عمليتيّ هروب، الأولى من أحد مستشفيات البقاع والثانية من سجن جب جنين. إنتظار تداعيات وباء الـ»كوليرا» المستجلب من العصور الغابرة، بعدما تفشى في بعض مخيمات البقاع، مع ما رافق ذلك من إعادة فتح لملفّ الليطاني وتلوثه المزمن بالمياه الآسنة والصرف الصحّي للمعامل.
ما ذكر لم يكن سوى تعداد للبديهيات التي صعّبت حياة اللبنانيين في العام 2022، حيث لم يكن المشهد بقاعاً مختلفاً ولم تخترقه سوى بعض الأحداث والإستحقاقات، التي أضفت حيوية على رتابة يومية عاشتها المنطقة، من دون أن تحدث تغييراً جذرياً في واقعها. وكان أبرز هذه الإستحقاقات الانتخابات النيابية التي لم تحمل أي مفاجآت على صعيد دائرتي البقاع الأوسط والغربي، سوى الخرق المحدود الذي حقّقه المرشح باسم «التغييريين» في البقاع الغربي النائب ياسين ياسين، كنتيجة لإنسحاب تيار «المستقبل» ورئيسه من السباق الإنتخابي.
أمّا في زحلة وقضائها، فقد أظهرت هذه الانتخابات ضموراً في حجم «التيار الوطني الحرّ»، مقابل إتّساع القاعدة الناخبة لـ»القوات اللبنانية»، وسط إحباط سياسي عميق عاناه سنّة البقاع خصوصاً، في ظلّ غياب أي مرجعية سياسية محلية أسوة بباقي المحافظات اللبنانية. وهذا ما أكسب انتخابات المفتين المحليين، نهاية العام، أهمّيتها في ملء الفراغ الديني والسياسي الذي ترافق مع شغور مركز مفتي زحلة والبقاع منذ أكثر من سنة.
وإذا كان العام 2022 سيطوى على مشهد الإنتظارات المذكورة، فإنّ البقاعيين في المقابل ينتظرون أيضاً القرار الذي سيتّخذ على صعيد الانتخابات البلدية، وخصوصاً بعد الشلل الذي أصاب معظم بلديات القرى، ولم يسمح تدهور سعر الليرة خلال الجزء الأكبر من ولايتها بإنجاز أي من مشاريعها، وعجز بعض البلديات حتى عن لمّ النفايات ومعالجتها، ما جعل العام 2022 شاهداً على إستقالة عدد كبير من رؤساء وأعضاء المجالس البلدية وبالتالي حلّها.
إلا أنّ الإنتظار الأكبر الذي يختبره البقاعيون كما سائر اللبنانيين هو لإنتخاب رئيس جمهورية وتشكيل حكومة، مع تطلّعهم الى خطّة إصلاحات سياسية، إقتصادية إجتماعية وبالتأكيد أيضاً صحّية وبيئية. هم باختصار بانتظار دولة، تتمدّد بسلطتها وهيبتها ولكن ايضاً بمسؤولياتها وواجباتها على كلّ الاراضي اللبنانية، وتحرّرهم من كل الإنتظارات السابقة. وإلا فإنّ لسان حال معظم الناس يتحدّث هنا عن إنتظار موعد على منصّة الأمن العام للحصول على جواز سفر والهرب به إلى أي بلد آخر يحتضنهم.
المصدر:نداء الوطن