التداول بدولار صيرفة بقاعاً من “صغار العملاء” إلى “حملة الحقائب”

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،

إختصر المشهد بقاعاً في أول يوم من بدء تطبيق تعميم مصرف لبنان الأخير الذي رفع من خلاله سعر دولار صيرفة إلى 38000 ليرة مقابل رفع سقوف شرائه من فروع المصارف، على الشكل التالي:

خلافاً للأجواء التي شيّعت حول هجمة عملاء غير معتادة ستشهدها الصرّافات الآلية لتبديل الليرات اللبنانية بالدولارات، إختفى مشهد الزحمة الذي طوي عليه العام الماضي أمام هذه الصرّافات، لتنتقل الحركة الى داخل المصارف. وانحصرت التعاملات بأصحاب المواعيد المسبقة ممّن حملوا الأموال بحقائب «النايلون»، باذلين الجهد ليبلغوا سقوف الإستفادة التي حدّدها كلّ مصرف بناء لسياسته، وتراوحت بين 100 مليون ليرة لبنانية وحتى 450 مليوناً.

وهكذا بات الوصول إلى الصرّافات الآلية متاحاً بسهولة لموظفي الأسلاك العسكرية والقطاعات العامة لسحب رواتبهم بالدولار، وسط خيبة عبّر عنها بعض هؤلاء من إنخفاض قيمة رواتبهم مجدّداً، بسبب تضاؤل فارق السعر بين دولار صيرفة ودولار السوق الموازية، ما جعل هامش ربحهم بعد حسم عمولة المصرف وعمولة الصرّافين لا يتخطى الثلاثة آلاف ليرة في الدولار الواحد.

في أحد محلّات الصيرفة إختصر المشهد أحد العسكريين الذين قبضوا راتبهم باكراً، وحاول صرفه قبل إفتتاح التعاملات بالسوق الموازية، مستبقاً توقّعات الإنخفاضات التي شيّعت حول محاولات تجري لإغراق السوق بدولار صيرفة. التطبيق الذي بين يديّ العسكري كان يشير إلى تخطّي الدولار في السوق الموازية سقف 42 ألف ليرة، إلا أنّ الصراف أصرّ على شرائه بـ41 ألفاً و900 ليرة، ليحمي نفسه من التراجعات الممكنة كما شرح. بدا العسكري في المقابل مقتنعاً مثله مثل الصرّاف أنّ أيّ تراجع ظرفيّ خلال الأيام المقبلة لن يدوم طويلاً، وبالتالي فإنّ تبدّل السعر صعوداً سيقضم المزيد من دخله المتاح حتى نهاية الشهر. وفي وقت حاول الصراف أن يشرح له، بأنّ تعامله بالدولار يومي وبالتالي هو يبيع الدولار اليوم على سعر شرائه اليوم أيضاً، لم يتمكّن العسكري من إخفاء غضبه من الواقع، خصوصاً أنّه لا يملك رفاهية الإحتفاظ بدولاراته بإنتظار وضوح السوق وتقلّباته.

التردّد في صرف الدولار الذي أعرب عنه العسكري في المقابل، إنعكس على حركة التداولات لدى صرّافي السوق الموازية مع إطلاق التداول عملياً بمنصّة صيرفة على التسعيرة الأخيرة التي حدّدها تعميم مصرف لبنان. وبحسب أوساطهم فإنّ هذه الحركة شهدت تراجعات، لا يبرّرها فقط ما حمله تعميم مصرف لبنان من توقّعات بتعويم السوق بالدولارات، إذا ما طبّق لفترة زمنية متوسطة أو طويلة، ممّا يعني إمتصاص كمّيات من الليرة اللبنانية المستخدمة في تداولات السوق السوداء، وإنّما تقترن أيضاً بإختفاء صغار العملاء، الذين شكلوا محور التعاملات اليومية للصرّافين، وخلقوا حركة متواصلة على طول ساعات النهار خلال المرحلة السابقة.

وفي هذا الإطار أيضاً، رأت أوساط مصرفية أنّ تعميم مصرف لبنان الأخير سيترك إنعكاسات سلبية على صغار العملاء، في مقابل إستفادة أصحاب الرساميل الكبيرة من فارق سعر الصرف بين دولار صيرفة ودولار السوق السوداء، وخصوصاً في مصارف زحلة التي باتت تستقطب عملاء الفروع التي أقفلت في باقي مدن المحافظة ومحافظة بعلبك. هؤلاء العملاء وفقاً للمصادر لا يملكون سوى مبالغ محدودة من الليرات التي كانوا يبدّلونها على وتيرة شهرية عبر منصّة صيرفة، ويحقّقون أرباحاً تتراوح بين 80 و100 دولار شهرياً، نتيجة لفارق سعر الصرف بين السعر السابق لصيرفة وسعر الدولار في السوق الموازية، يدعمون بها مداخيلهم المتآكلة جرّاء الغلاء الفاحش في كلفة المعيشة.

بعد رفع سعر دولار صيرفة إلى 38 ألف ليرة وإنخفاض سعر الدولار في السوق الموازية إلى حدود 42 ألف ليرة، لم تتراجع فقط الأرباح التي كان صغار العملاء يحقّقونها من عمليات التبديل، وإنّما فقد البعض أيضاً قدرته على بلوغ سقف الإستفادة الذي كان محدّداً للأفراد ببضعة مئات من الدولارات، خصوصاً بالنسبة لمن كان يستدين المبالغ الموازية بالليرة اللبنانية، ويتقاسم أرباحها مع مدينيه بعد تبديل دولارات صيرفة في السوق الموازية. وبالتالي لم يعد هناك جدوى فعلية لهذه «الصفقة»، خصوصاً أنّ أرباحها أحياناً قد توازي سعر صفيحة البنزين التي سيحتاجها من ينتقلون من مناطق بعيدة إلى مصارف زحلة، علماً أنّ تراجع عرض صغار العملاء في السوق السوداء وفقاً لبعض الصرّافين، قد يكون ساهم في تجميد سعر الدولار لديهم، فلم يشهد الإنخفاضات المنشودة من الذين يؤمّنون مداخيلهم بالليرة اللبنانية، بإنتظار ما ستكشفه الأيام المقبلة من تردّدات إضافية بالنسبة لمفاعيل تعميم مصرف لبنان الأخير، وما إذا كانت الدولارات التي طرحها عبر المصارف ستعود الى السوق، أو يحتفظ بها أصحابها في خزناتهم.

Exit mobile version