كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
سرقت إنتخابات المفتين المحليين الضوء ضمن البيئة السنّية، فكانت خطوة مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان في إجراء الإستحقاق نقلةً نوعية في تنظيم دار الفتوى وإعادة هيكلتها والإلتفاف حولها. دحضت نتائج إنتخابات المفتين وما رافقها من زيارات تهنئة ومواقف لمختلف الأطياف والجهات السياسية، حيث كانت مقار دور الفتوى أشبه بالحجّ، كلّ التأويلات والتفسيرات التي سبقتها حول توقيت اجرائها في ظلّ غياب رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري وخلافته سياسياً عبر هذه المواقع التي تلعب دوراً مؤثراً في تحريك واستنهاض الشارع السنّي بغياب ضابط الإيقاع الرئيسي، فكانت زيارة الشيخ علي الجناني مستشار الرئيس الحريري للشؤون الدينية وموفداً منه لتقديم التهاني للمفتين المنتخبين في مختلف المناطق إشارةً الى رضى الحريري عن إنجاز الإستحقاق، وتعويله على الدور الذي يمكن أن يلعبوه في المرحلة المقبلة، متمنّياً أن يلتفتوا بعين الرعاية والإهتمام إلى منسقيات تيار «المستقبل» في مناطقهم.
لم يقف البعض على الحياد في انتخابات بعض المفتين، من نواب ومرجعيات سياسية من خارج الدائرة السنّية وضمنها لتحكّمهم بأفرادٍ من الهيئة الناخبة، وكان لكل منهم حساباته الشخصية والسياسية. ففي وقتٍ يعتبر الكثيرون أنّ دور المفتي يقتصر على الأمور الدينية، أثبتت التجارب والمراحل المنصرمة أنه يلعب دوراً سياسياً ضمن منطقته يتخطّى فيه دور النواب والوزراء، ومن هنا عمل بعض النواب على دعم مرشّحين بوجه آخرين خوفاً من نجاحهم ومصادرة أدوارهم، ودعم آخرين في محاولةٍ لإيصال رسائل بأنهم لاعبون أساسيون في تحديد هوية المفتي المحلي، وما بينهما جهات حزبية من خارج دائرة بيئة المفتي عملت على التدخّل ملياً وتوجيه من تمون عليه في الهيئة الناخبة لتعود وتبارك للفائزين، في وقتٍ شهدت دور الإفتاء حركةً نشطة للنواب السنّة معارضين وموالين للمفتي المنتخب لعلمهم أنّ له كلمةً أساسية في تزكيتهم، كذلك الأمر في الإنتخابات البلدية والإختيارية المرتقبة. وإن كانت الإنتخابات لترتيب البيت الداخلي ضمن دار الفتوى والتي كانت أحد أهداف المفتي دريان منذ انتخابه، لكنها إنعكست أيضاً بدايةً لتعزيز دور المرجعيات الدينية في المناطق بغياب دور المرجعيات السياسية والحزبية، والعمل على لمّ شمل أبناء الطائفة والإهتمام بشؤونهم وشجونهم ورعاية أحوالهم بالتكامل والتضامن مع النواب المنتخبين متعدّدي المشارب السياسية والإنتماءات، والتي حاولت دار الفتوى جمعهم تحت قبّتها، لتنتقل إلى مرحلة التعامل مع البعض منهم كلّ على حدة ومع من يريد أن يكون راعياً حقيقياً وممثّلاً لأبناء الطائفة الذين إنتخبه بعضهم أو أكثريتهم، وعدم التفريط بحقوق الطائفة من وظائف في الفئة الأولى وغيرها من المكتسبات والمقامات.
وعلى المقلب الديني تنتظر المفتين المحليين قضايا عدة ومهمّات جسام لا بد من العمل عليها وفق ما تقول مصادر متابعة لـ «نداء الوطن»، ولأنّ ولاية المفتي المحلي غير مرتبطةٍ بمدّة زمنية بل بالعمر المحدّد للتقاعد وهو سبعين عاماً، فهناك وقت كاف لكلٍّ منهم للعمل على مشروعه وما يريد تحقيقه خلال ولايته ليبقى ذكره مؤبّداً، وتضيف المصادر أنّ ثلاثة عناوين أساسية يجب أن تكون في أعلى سلم أولويات وأهداف المفتين وهي: أولاً، الحفاظ على المرسوم رقم 18 الصادر عام 1955 وتكريسه بما ينظّم أحوال الطائفة السنّية، وتعزيز دور مفتي الجمهورية كرئيس ديني أول للمسلمين بعدما عمل البعض على تحجيم دوره لصالح مقام رئاسة الحكومة أو القفز فوقه، وتعديل المرسوم حيث تقتضي الحاجة، وثانياً، تنظيم الجهاز الديني من أئمة وعلماء وموظفين وتنمية الأوقاف والزكاة وغيرها من الأمور التي تحقق مكاسب تعود بالفائدة لخدمة دار الفتوى، وتعزيز أوضاع المشايخ للقيام بواجبهم، وثالثاً، الحفاظ على حقوق الطائفة من وظائف رسمية دينية وملء الشغور في المحاكم الشرعية ومدرسي الفتوى، وغيرها من الوظائف المكتسبة كسائر الطوائف، إضافةً الى القضايا العالقة في مناطق المفتين من إنشاء مركز دار فتوى يضمّ كافة الأجهزة التابعة لها، وتوسيع الهيئة الناخبة للمفتي المحلي، وتعيين أئمّة منفردين، وغيرها مما يخدم مصلحة المسلمين جميعاً.