الصمود الثقافي: فرقة “مياس” إلى العالمية ودعم أجنبي للنهوض بالفنون على أنواعها!

أضاف الزخم الكبير في الروزنامة الثقافية والفنية لسنة 2022 بُعداً مهماً الى الحياة المدنية في لحظات الأزمات التي نمر بها. فقد عكس الصمود الثقافي وجوها عدة، أهمها رفع إسم لبنان عالمياً من خلال فوز فرقة “#مياس” اللبنانية قبل ثلاثة أشهر بلقب “أميركان غوت تالينت” من خلال مشاركتها في البرنامج الأكثر شهرة في الولايات المتحدة الاميركية والعالم.

هو الحدث الأبرز الذي وحّد نظرة اللبنانيين في الداخل الى الأداء الرفيع لهذه الفرقة التي تصدّر إسمها مواقع التواصل الإجتماعي في العالم العربي والعالم كله بعد إعلان فوزها بهذا اللقب صباح الخميس 15 أيلول 2022 على خشبة البرنامج في لاس فيغاس.

يعود الفضل الأساسي لهذا الفوز العالمي الى جهود مؤسس الفرقة ومصمم الرقص الشاب نديم شرفان، الذي أطلق مع فرقته “مياس”، ومعناها القوام الممشوق، شعاراً وطنياً “كرمالك يا لبنان” جدد فيه إيمانه وفرقته بوطنهم المأزوم من خلال أداء فتيات راقصات تراوح أعمارهن ما بين 13 عاماً و25 عاماً لوحات إستعراضية باهرة.

تم تكريم هذه الفرقة، التي لوّحت بعلم لبنان على أكبر مسارح العالم، في حفل ضخم في كازينو لبنان، تبعه تسلم الفرقة وسام الاستحقاق الذهبي من رئيس الجمهورية السابق ميشال عون في حفل رسمي في القصر الجمهوري…

من المحطات الرئيسية في حصاد 2022، حدث مهم جداً خارج حدودنا تمثل بمشاركة فيلم “#ع مفرق طريق” All Roads Lead To Rome، الذي حصد جائزة مهرجان مالمو في السويد، في كانون الأول في فندق الريتز كارلتون بمدينة جدة السعودية، في إطار مشاركة لبنان في مهرجان البحر السينمائي الدولي.

هذا الفيلم، الذي بدأ عرضه منذ 15 كانون الأول في الصالات اللبنانية، يحكي قصة رومانسية للممثلَين شادي حداد وربى زعرور، وهما الشخصيتان الرئيسيتان في هذا العمل بنص أعدّته الصحافية القديرة والناقدة السينمائية جوزفين حبشي وأخرجته المخرجة المخضرمة لارا سابا.

وتشارك في العمل أيضاً مجموعة من رواد التمثيل في لبنان على رأسهم رفعت طربيه، نقولا دانيال، جوليا قصار، بتي توتل، ميرنا مكرزل، سينتيا كرم، مع إطلالات خاصة لهيام ابو شديد، عماد فغالي وجوزيان بولس وسواهم.

الثقافة …. ودعم السفارات
في ظل أزمة المصارف وعجزها عن تمويل أي نشاط منذ 2019 وحجز أموال المودعين أفرادا وشركات، بادرت السفارات الأجنبية الى دعم ملحوظ للبرامج الثقافية والموسيقية الفنية في لبنان وعلى رأسها فرنسا ومركزها الثقافي، وسفارات كل من سلوفاكيا وتشيكيا، ايطاليا، سويسرا، البرازيل، اسبانيا وكوريا وسواها، ما ساهم في كسر عتمة شوارع بيروت المظلمة من خلال نور الموسيقى…

الحدث الإستثنائي في الموسيقى، الذي كرس التنوع الثقافي المهدَّد في لبنان، تجدد في لقاء اللبنانيين مع مهرجان “#بيروت ترنم”، ليعود كما عهدناه منذ 15 عاماً، بـ 28 حفلة مجانية لتذوّق الموسيقى الكلاسيكية والغناء الأوبرالي الساحر من الخميس 1 كانون الأول 2022 الى الجمعة 23 منه أو حتى بعده بقليل في كنائس العاصمة بيروت ولاستقبال الميلاد الآتي بمشاركة 42 موسيقياً ومغنياً منفرداً، 120 عازفاً أوركسترالياً، 350 منشداً في الجوقات الموسيقية و15 فناناً عالمياً وأسماء لامعة لبنانية على رأسها جاهدة وهبه وعبير نعمة وسواهما، إضافة الى مشاركة رائدين موسيقيين عالميين هما عازف الكمان جوزيبي جيبوني Gibboni في كنيسة مار مارون – الجميزة، وأمسية أخرى مميزة لعازف البيانو Yekwon Sunwoo في قاعة الأسمبلي هول في الجامعة الأميركية في بيروت، والسوبرانو البرازيلية Raquel Pauline وعازفة البيانو ماريان ربشانسكي في كنيسة مار يوسف للآباء اليسوعيين في شارع مونو، إضافة الى أمسية غير اعتيادية لمؤلفات باخ لآلة التشيللو للعازف الشاب Benedikt Kloeckner بتقديم المقطوعات الكاملة الست “Suites for cello ” في حفلة واحدة في كنيسة مار يوسف للآباء اليسوعيين – شارع مونو.

الصمود في وجه الغرق كان شعار المهرجانات الدولية في روزنامة تحولت تحية وفاء لبيروت وناسها بدأت في شباط الماضي، مروراً بصيف 2022 وصولاً الى كانون الأول 2022.

ولا يمكن أن نغفل حال الارباك من واقعنا المأسوي، الذي اصطدم برغبة منظمي المهرجانات الدولية في المغامرة بنشر الموسيقى من أجل بيروت الجريحة.

إستعاد مهرجان البستان الدولي للموسيقى بنسخته الثامنة والعشرين تواصله – وهو شعار المهرجان – مع جمهوره بعد غياب قسري فرضته جائحة كورونا العام الماضي بأجندة ثقافية من 13 حفلة كلاسيكية لموسيقيين وفنانين عالميين ولبنانيين، منهم السوبرانو الكندية اللبنانية جويس عقيقي والفنانة القديرة اميمة الخليل وسواهما، من 16 شباط الى 13 آذار 2022 على أن تقدم حفلة 29 شباط مجانية وحملت عنوان “يومٌ لم ينته”، وفيها يجسد علاء ميناوي وفرديمير كوروميليان وأحمد عامر رسماً وعزفاً مشاعر لبنانيين عاشوا تجربة إنفجار مرفأ بيروت.

وقد اضطر المرتضى الى حذف تغريدته التي نتج عنها إنسحاب بعض الهامات الفكرية من فعاليات المهرجان أمثال طاهر بن جلون وإريك إيمانويل شميت وصولاً الى الكاتب الكبير بيارأسولين وسواهم.

في هذه الأثناء، أقيمت محطات مفصلية في المهرجان أهمها حدث ثقافي في لبنان والمنطقة تمثل بإعلان رئيس أكاديمية غونكور ديدييه دوكوان ولجنة التحكيم المجموعة الأخيرة من الكتّاب الأربعة المؤهلين لنيل جائزة غونكور الأدبية المرموقة لسنة 2022 في قصر الصنوبر.

في السياق نفسه، حقق النادي العربي نقلة نوعية بمعرضه الأخير بعد عودة إتحاد الناشرين اللبنانيين من خلال جملة تواقيع وندوات نجحت من 3 كانون الأول الى 11 منه الى حد ما في أن تنسينا الدورة السابقة للمعرض في آذار الماضي، الذي شهد غياب دور نشر عريقة ومحاولة “هيمنة” دور نشر أخرى أحادية الفكرعلى مساحة المعرض.

وأدى هذا التغيير الفكري الى تضارب بين بعض الزوار وجناح “دار المودة” على خلفية وضعه صورة قاسم سليماني، ما أزعج بعض الزوار وخلق بلبلة في المعرض.

في النسخة الثامنة من مهرجان “BAFF”، من 8 تشرين الثاني الى 18 منه في حرم معهد الألبا للفن السابع “المقاوم” في حضرة باسوليني وهتشكوك وإيتيل عدنان، سجلت محطات إستثنائية سلطت الضوء على نضال نساء لبنانيات عدة هنّ: هدى قساطلي، غادة واكد، إيميه بولس، دنيز جبور، موريال ابو الروس…

في الفنون التشكيلية محطة رئيسية برزت منذ أزمة 2019 الى اليوم، الا وهي ميل اللبنانيين الى شراء لوحات وأعمال لكبار الفنانين أو النحاتين في محاولة لتقليص حساباتهم المصرفية وبيع هذه التحف لكسب بعض المال.

وشرّعت الغاليريات ابوابها في معارض فنية متفاوتة في مضمونها وغايتها من اجل الوقوف في وجه الإنهيار الدراماتيكي.

وهذه حال المسارح أيضاً ، التي حاولت أن تنظم عروضاً على خشباتها ومنها مسرح مونو بإدارته الجديدة، التي حرصت على تنظيم عروض عدة تتناسب مع الأذواق كلها، وهذا ما كان أيضاً في كل من مسرحَي المدينة ودوار الشمس.

وقد غاب هذه السنة المسرحي والكاتب والملحن الكبير روميو لحود تاركاً وراءه إرثا كبيرا للبنان والعالم. وودع أيضاً الممثل المخضرم شوقي متى جمهوره على غفلة، إضافة الى رحيل موجع للفنان اللبناني جوزف عبود وتسجيل وفاة الفنان الشاب جورج الراسي جراء حادث سير.

ومن الراحلين الكبار وجيه فانوس صاحب الإرث الثقافي والأدبي الخالد، فشاعر الجنوب العريق محمد علي شمس الدين، الذي أنجرف طوعاً في الكتابة بالفرنسية من دون أن يهجر لغته الأم ، مروراً بحارس الكلمات على امتداد البراري والكون حسن عبد الله.

ختاماً، كان يمكن لوزارة الثقافة أن ترعى هذا الحراك الثقافي من خلال عفوية الوزير المرتضى في حضور الحفلات من دون أي دعوة كلاسيكية، مع العلم أنه طلب من القيمين على المتحف الوطني تنظيم حفلات غنائية وفنية واعدة. فهل يتغير نهج تعاطي معاليه مع ما سيدور في فلك الثقافة سنة 2023؟!

Exit mobile version