كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
تصدر عن مصرف لبنان تعاميم، في ظاهرها تخفيف للأعباء عن كاهل المواطنين والوقوف إلى جانبهم بعد انهيار الدولة المتتالي، لتصبّ في باطنها في مصلحة المحظيين وأصحاب الوساطات والمدعومين.
ينشد الموظفون في القطاعين العام والخاص والقوى الأمنية والعسكرية على اختلافها ومن لهم حسابات مصرفية ربحاً قليلاً من منصّة صيرفة التي ابتكرها مصرف لبنان، أملاً في تغطية جزءٍ من المصاريف الكبيرة التي يفرضها الواقع الحالي والأزمة الإقتصادية، وتعجز معها الرواتب عن الصمود في الجيوب لأيام في ظلّ الغلاء الذي يستعر مع جنون سعر صرف الدولار في السوق السوداء، والذي لم يتوقّف عند سقفٍ معين. ومع دخول منصّة صيرفة حيّز التنفيذ منذ العام2021، حيث بدأت المصارف ببيع الدولارات إلى العملاء وفق السعر الذي حدّده مصرف لبنان، وبدأ يرتفع تدريجياً بالتوازي مع سعر السوق السوداء وقد وصل إلى مشارف 52 ألفاً وبفارق 13 ألف ليرة لبنانية عن سعر منصّة صيرفة (38000 ليرة لبنانية)، بدأ كل من يحقّ له أن يستفيد منها بتقديم الطلب إلى المصارف على أن يقبض دولاراته بعد أيام (سقفها شهرياً 400 دولار) ليبيعها في السوق السوداء، محقّقاً بذلك ربحاً يصل إلى 90 دولاراً.
فرح كثيرون بالمنصّة، وكما عادة اللبناني إقتناص الفرص والإستفادة من الأزمات، أجرى البعض معاملة صيرفة على حساب أصدقاء وأقرباء لم يستفيدوا منها أو لم يقدّموا طلباً لعدم توفر السيولة المادية أو لأسبابٍ أخرى، وبعد مضيّ وقت على دخول المنصّة حيّز العمل، إكتشف موظّفو المصارف وبعض المتموّلين الثغرات الموجودة وتعاطي المصارف مع المودعين ونهب أموالهم، وبدأوا بتحقيق أرباحٍ خيالية من جانبهم، إضافةً إلى بعض التجار ومن لديهم واسطة في البنك من موظفٍ أو مدير.
لمرة واحدة فقط أجرت إحدى المودعات معاملة صيرفة العام الفائت، وفق ما أوضحت لـ»نداء الوطن» لتنقطع بعدها لأسباب لا تعلمها، وعند المراجعة الشهرية كونها صاحبة حقّ في إتمام المعاملة أسوةً بغيرها من العملاء وتنفيذاً لبيان مصرف لبنان بهذا الشأن، يكون ردّ موظفي البنك في مدينة بعلبك جاهزاً أنّه تمّ تسجيل اسمها وعند الموافقة يتم الإتصال بها لإيداع المبلغ المطلوب، وعند المراجعة الثانية يصلها جواب مفاده بأنّ المنصّة توقّفت، وعليها الانتظار حتى الشهر المقبل، وعلى هذا المنوال تعاطى معها المصرف المعروف في بعلبك ومع كثيرين يقصدونه لإجراء معاملةٍ لكسب عشرات الدولارات.
من جهته، يشير موظف في جهاز أمني إلى أنّه لم يستطع تقديم طلب في البنك نفسه لأسباب لا يعلمها، وعند توجّهه الى مركز عمله في بيروت تقدّم بالطلب الى أحد فروع المصرف المذكور حيث تمّ استقبال الطلب وأودع الأموال بالليرة اللبنانية وقبضها في اليوم التالي «فريش دولار» وفق سعر منصّة صيرفة.
وذكرت مصادر متابعة للملفّ لـ»نداء الوطن» أنّ منصّة صيرفة لا تعمل وفق ما يجب في بعلبك الهرمل حيث من المفترض أن يستفيد منها أصحاب الحقّ، بل كانت باباً لجمع الثروة لأصحاب الحسابات الكبرى والذين يحقّ لهم بمبالغ تفوق 200 مليون ليرة شهرياً، كذلك كانت مدخلاً لتحسين مداخيل موظّفي البنوك وعلى رأسهم المديرون. وتابعت المصادر أنّ هناك صرّافين يسلّفون المبالغ المطلوبة لأشخاص يودعونها في البنك بدعم منهم وبواسطة لدى مدير البنك والموظفين، ليتقاضوها دولارات وفق صيرفة على أن يتم تقاسم الأرباح بين الأطراف الثلاثة: المودع، الصرّاف، مدير البنك أو الموظف، مضيفةً أنّ قانون السرّية المصرفية وأصول الكشوفات على الحسابات لا تلحظ إن كان العميل أو صاحب الحساب قد أجرى معاملته على منصّة صيرفة شهرياً، وبالتالي هناك علامات استفهام على عمل الموظفين وامتناعهم عن استقبال الطلبات للموظفين والمودعين وغيرهم بحجّة التوقّف الدوري للمنصة، وعليه قد يكون ذلك أحد أسباب انتفاع الموظفين من تلك الحسابات بإجراء معاملات صيرفة على أسماء العشرات، وخصوصاً أنّ كثيرين منهم قد ظهرت عليهم آثار النعمة والتبذير والمصاريف المبالغ فيها.
وعلى وقع انهيار العملة اللبنانية أمام الدولار، بات كثيرون يبحثون عن تحقيق الأرباح بالفريش دولار، ومع ضياع ودائعهم وجنى أعمارهم وسرقتها من قبل المصارف من دون أن يرفّ لها جفن، لن تكترث لمصادرة حقوقهم في منصّة صيرفة واستعمالها في تحقيق الأرباح من دون حسيبٍ أو رقيب، ليبقى المواطن الضحية الأولى والأخيرة لحيتان المال والمصارف.