كتبت نغم ربيع في “المدن”:
إشتدت الضائقة المالية على شيرين، وهي فتاة عشرينية، فلم تجد أمامها سوى خزانتها التي تحتوي على الكثير من الملابس، فبدأت بعرضها للبيع على وسائل التواصل الإجتماعي، بعد انتشار ظاهرة بيع الملابس المستعملة. تُشير شيرين في حديثها لـ”المدن” الى أنها قررت الإستثمار بثيابها على “السوشيل ميديا” بسبب صعوبة استئجار وفتح محل. كانت البداية صعبة، لكنها استمرت وخلقت سوقاً خاصاً لها، تبيع من خلاله ثيابها، وتوسعت لتعرض وتبيع ثياب أصدقائها على أن تحسم لنفسها نسبة من الأرباح.
قبل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان كان سوق “البالة”، أي الثياب المستعملة، قد تراجع كثيراً. لكن جاء الإنهيار الكبير للقدرة الشرائية للبنانيين ليعيد لـ “البالة” مجدداً مكانتها. ودخل التطور التكنولوجي والعالم الإفتراضي إلى السوق التجاري. فُتحت صفحات لبيع الملابس المستعملة، التي، في كثير من الأحيان، تكون لأشخاص يرغبون بزيادة مدخولهم عبر بيع ملابسهم القديمة، خصوصاً أن كثراً من اللبنانيين عاشوا “فورة” الشراء والإستهلاك في زمن تثبيت سعر الصرف على الـ1500 ليرة، واشتروا اكثر بكثير من حاجتهم.
“اليوم يلجأ الكثير من مالكي الثياب التي لا يستفيدون منها إلى بيعها من أجل كسب المال”، تقول شيرين، مشيرة الى أن “منهم من يبيع لأقاربه ومعارفه ومنهم من يفتح باب البيع للجميع مع تأمين خدمة التوصيل”. أما عن الأسعار، تقول شيرين، فالسعر يختلف بحسب الموسم ونوعية القطعة والقماش، لكن بالتأكيد تبقى الأسعار أرخص بأضعاف من شراء قطعة ثياب. وشيرين من القلائل التي تؤمن لزبائنها “فرصة القياس عبر الحضور إلى منزلي حيث تتواجد البضاعة لأن ميزة الإعادة والتبديل غير متوفرة”.
تتعدد أنواع بيع الثياب المستعملة، فإلى جانب البيع بالقطعة، صار رائجاً مشاهدة لافتات تشير إلى البيع بالكيلو، التي بمعظمها، تكون ثياباً جديدة. وتتراوح أسعار كيلو الملابس بين 100 و600 ألف ليرة، وبحسب ريان قاسم، أحد التجار الكبار في هذا المجال فإن “البيع بالكيلو ظاهرة جديدة وهي وليدة الأزمة، حيث يتم شحن “مستوعبات” الثياب المستعملة من أوروبا في أكياس كبيرة، ويكون سعر الكيلو حسب سعر الشحن، النوعية والمصدر”.
يؤكد ريان أن الإقبال يتزايد كل يوم على شراء هذه الاكياس من قبل تجار صغار “يعرّبون” البضائع ويُعيدون بيعها، وعادة ما تحمل الأكياس مفاجآت لناحية النوعيات والماركات العالمية، مشيراً الى أن بعض التجار يعمدون الى فتح الأكياس قبل بيعها، لتعريبها والحصول على الماركات العالمية، وبيعها بالمفرق بثمن أعلى.
وعن رفع الأسعار ومدى تأثير أزمة الدولار في هذا السوق يقول: “لا شك أنه مع رفع تعرفة الجمارك على البضائع سترتفع الأسعار لكن بشكل طفيف لأن أسعارنا لا تعتمد على سعر الدولار”.
مع ازدياد الطلب على الثياب المستعملة، يزداد الحديث عن مخاطر هذا النوع من الملابس، واحتمال التسبب بأمراض وعدوى جلدية، وهو ما تؤكده طبيبة الأمراض الجلدية والتناسلية والتجميل الدكتورة رنا الخوري، التي تشير إلى وجود مخاطر وإلى وسائل وقاية في الوقت نفسه.
“لا يمكننا منع المواطنين من شراء ثياب مستعملة ولكن علينا إرشادهم”، تقول الخوري في حديث لـ”المدن”، مشيرة الى أن “أبرز وسائل الوقاية تكون بغسل الثياب وكيّها بعد الغسيل، قبل استعمالها، لقتل بعض الحشرات والفيروسات الذي تساعد الحرارة العالية على قتلها.
تؤكد أن “بعض الملابس قد تحمل أكثر من خطر على صحة الإنسان، إذ قد تسبّب الفطريات التي ممكن أن تصيب الشعر والجلد وتتطلب علاجا طويلا، كما يمكن أن تحمل معها أنواع بكتيريا تسبب إلتهاباً بالجلد، قد تؤذي، بشكل خاص، من لديهم بعض الجروح في أجسادهم او يعانون من مشاكل بالدورة الدموية، وبالتالي إن تعرضهم لهذا النوع من البكتيريا قد يسبب التهاباً بالجلد وحتى العضل”.
أما عن الأمراض الفيروسية فتقول الخوري “ممكن أن تحمل الثياب المستعملة معها الثآليل، أو “الهيربس”، أو جدرة المياه وفيروسات أخرى متناقلة جلديا ممكن أن تؤدي إلى طفرات جلدية وتتطلب علاجات طويلة للشفاء، وأخرى قد تبقى رغم الشفاء مثل الهيربس”.
كذلك، تتطرق الطبيبة الخوري الى المواد الحافظة الذي يرشها البائع للمحافظة على نوعية الثياب والتي يمكن أن تسبب الحساسية وتهيّج البشرة، مشيرة الى أن كل هذه المخاطر سببها طرق التوضيب والنقل والتعرض للرطوبة، وبالتالي من المهم جدا غسل الثياب قبل استعمالها، والتشديد على كيَها.
أن يبيع بعض من اللبنانيين ملابسهم القديمة او يشتري بعضهم الآخر ثياباً مستعملة، فهذان وجهان لأزمة تمعن في إغراق البلد في الفقر وتدفع الناس إلى ابتكار حلول لتمرير هذه الايام العصيبة.