الدولار جنّ: الشاطر بشطارته ومن يصمد يربح

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،

في صراع البقاء الذي يخوضه اللبنانيون حالياً وسط فوضى مالية غير مسبوقة، إكتسب الكثيرون طواعية أكبر للتعاطي مع تقلبات سعر صرف الدولار، الذي انتقل من حالة التبدّل اليومي، إلى مرحلة الهستيريا. وبالتالي تعلّم الكثيرون وسائل التحايل على الأزمة، حتى لا يتحوّل الربح في لحظة معيّنة خسارة سريعة، خصوصاً أنّ تقلّبات سعر صرف الدولار بالساعة والدقيقة أحياناً، باتت تصاعدية في معظم الأحيان، وسجّلت سرعة قياسية خلال الأسبوع الجاري، مع إرتفاع سعر صرف الدولار من 50 ألفاً و500 ليرة في نهاية الأسبوع الماضي الى أكثر من ستين ألف ليرة حتى مساء يوم الخميس، أي بزيادة نحو عشرة آلاف ليرة في أقل من أسبوع، تركت إنطباعاً لدى معظم المواطنين أنّهم خاسرون.

لا ينطبق توصيف هذا الواقع فقط على تجّار الكماليات أو المواد الإستهلاكية غير الأساسية، الذين قد تكون فائدة لهم في ركود الحركة الإقتصادية، وإنّما يمكن تلمّس تداعياته خصوصاً عند أصحاب الدكاكين الصغيرة التي تبيع الحاجات الأساسية، لا سيّما المواد الغذائية وقد بلغ بعضها حدّ العجز حتى في الحفاظ على رأسماله.

في جولة سريعة على بعض دكاكين الأحياء الصغيرة في زحلة، يتظهّر هذا الواقع من خلال الرفوف الفارغة في معظمها. إذ يشرح أصحابها أنّهم لا يملكون عادة رأسمالاً كبيراً يسمح لهم بتخزين البضائع، أقلّه للحصول على عروضات تشبه تلك التي تعطى عادة لكبار التجّار. وبالتالي فإنّ القطعة التي يبيعونها تتضمّن كل الربح أو الخسارة الذي يمكن أن تتحمّله تجارتهم. ولما كانت تقلّبات الدولار غير مسبوقة بالنسبة لأصحاب هذه الدكاكين، خسر الكثيرون من رأسمالهم عندما كانوا يبيعون القطعة بسعر ليشتروها بسعر مضاعف لاحقاً، وبالتالي تضاءلت كميات البضائع التي كانت موجودة في هذه الدكاكين، لتنعدم قدرة بعضهم حتى على إسترداد رساميلهم.

تأخر كثيرون لفهم الإستراتيجية التي يجب أن تواكب هذه التقلّبات. وفيما حرص بعضهم منذ البداية على إستبدال كل قطعة مباعة بقطعة أخرى في مكانها، إكتشف آخرون أنّ إنتظار ثبات سعر السوق لشراء حاجياتهم أصبح خسارة لا تعوّض لاحقاً. في هذه الفترة بدأ وكلاء الباعة يبتدعون الأساليب التي تحافظ على زبائنهم، وخصوصاً أنّه في بقائهم إستمرارية لوظائفهم وعمولاتهم أيضاً. فاستحدثوا مجموعات الواتساب التي ينشرون عليها التقلبات اليومية لأسعار البضائع ساعة بساعة، حتى لا يفاجأ صاحب الدكان بأنه باع بضاعة بسعر ليشتريها في اليوم نفسه بسعر أعلى. إلّا أنّه حتى هذا التواطؤ بين الوكيل وصاحب الدكان لم يسمح للبعض بتجنّب الخسائر، وصار الواقع الذي على الجميع مواجهته حالياً هو دولرة البضائع. أي تسعيرها كلها بالدولار، مع ترك التطبيقات شغّالة في تحديد أسعارها دقيقة بدقيقة.

يقول أحد اصحاب الدكاكين إنّ الدولرة بالنسبة للمواد الغذائية باتت أمراً واقعاً سواء أعلنت أم لم تعلن. كاشفاً أنه منذ بداية الأسبوع الجاري عمد كثيرون من تجّار الجملة والشركات إلى تسعير بضائعهم بالدولار، وطلبوا من أصحاب الدكاكين أن يبيعوها بالدولار أو ما يوازيه بسعر صرف السوق. وطريقة الإحتساب هذه وفقاً لأصحاب الدكاكين يمكنها أن تحدّ من خسائرهم، إلا أنّها لا شك ستسبّب فوضى كبيرة في السوق، وبتفاوت في سعر المبيع، قد يكون مبرّراً أحياناً، وخصوصاً في ظلّ التقلّبات السريعة في سعر الدولار. إذ قد يشتري أحدهم قطعة بسعر معين، ويعود بعد ساعة ليشتريها بسعر مختلف إذا إرتفع سعر الدولار.

واللافت أنّ هذه الطواعية في تبديل الأسعار باتت إستراتيجية يحاول معظم أصحاب المهن الحرة إعتمادها. في صالونات الإعتناء بتجميل النساء مثلاً عمد البعض إلى تسعير حتى الخدمة المقدّمة بالدولار. وبات تحديد السعر بالدولار أيضاً أقلّ وقعاً على مسامع البعض عند تحديد كلفة تصليح الأحذية أو الثياب أو حتى الأدوات الكهربائية والكومبيوترات. وهي كلّها مهن تعتمد على المهارة اليدوية وقد لا تدخلها أحياناً أكلاف إضافية. وإنتقلت هذه العدوى حتّى إلى مقاهي الأرصفة، تلك الأماكن الشعبية التي يختارها الناس عادة لكلفتها المحدودة. وهنا يروي أحدهم كيف سارع صاحب مقهى صغير في مدينة زحلة الى الإتصال بمعاونه فور تسجيل الدولار قفزته الاولى خلال الأسبوع الماضي، طالباً منه رفع أسعاره بمعدل خمسة آلاف ليرة عن كل سلعة يقدّمها، وهذا ما خلق إرباكاً لدى مساعده المسكين، خصوصاً عندما إكتشف أن أحد زبائنه لم يرتشف سوى نصف الفنجان الذي طلبه على سعر الدولار السابق، فوقف محتاراً حيال نصفه الثاني، ولم يعلم كيف سيواجه الزبون ببورصة فنجان القهوة المعلّقة كما حياة سائر اللبنانيين بسعر الدولار.

Exit mobile version