كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
تطغى الهموم المعيشية والحياتية على ما عداها من قضايا تهمّ اللبنانيين، يبحثون عن كل ما يوفّر على جيوبهم المحكومة بتقلّبات سعر الصرف الذي يشتدّ جنوناً بين الحين والآخر، ويتركهم في مهبّ الجشع تارةً والفروقات الكبيرة في الأسعار بين يومٍ وآخر تارةً أخرى.
في زمن الأزمة التي يعيشها اللبنانيون منذ ثلاث سنوات، تحكّم الدولار بمفاصل حياتهم وأصبح الحاكم بأمر يومياتهم، عليه تعلّق آمال بعضهم في ارتفاع سعر صيرفة لجني الأرباح، فيما يدعو آخرون بانخفاضه ليتسنّى لهم شراء ما يحتاجون من مواد غذائية ومحروقات وخبز. وفي وقتٍ ينادي كثيرون بـ»دولرة» القطاعات والسلع والتسعير وفق الدولار لتجنّب تقلّبات الأسعار مع كلّ ارتفاع وانخفاض في سعره، تتخبّط فئةٌ كبيرة من اللبنانيين لعدم قدرتها على مجاراة الواقع كون رواتبها لا تزال بالليرة اللبنانية ولا تساوي مئة دولار، وتعاني واقعاً مريراً فرض عليها تبديلاً في مسيرة حياتها، استغنت فيها عن الكثير من الحاجات، وعوّدت نفسها على الشراء بالحبّة والكيلو.
اليوم، ستكون العين على تنفيذ آلية تسعير المواد الغذائية بالدولار وفق ما أعلن وزير الإقتصاد أمين سلام، ليبقى للمواطن خيار الدفع بالليرة اللبنانية وفق سعر الصرف أو بالدولار فريش، وعليه بدأ أصحاب المحال والسوبرماركت في بعلبك – الهرمل كسائر المناطق تحضيراتهم للتنفيذ، بانتظار أن تأتيهم لوائح الأسعار من الوزارة أو الشركات، غير أنّ الواقع لن يتغيّر على المواطن كثيراً وفق ما يؤكد صاحب سوبرماركت في المنطقة لـ»نداء الوطن»، معلناً أنّهم سيلتزمون بالتسعير بالدولار منذ الصباح، لكنّ الوضع لن يتغير على المستهلك، طالما أنّ سعر صرف الدولار في السوق السوداء لا حدود له، «وبينزل وبيطلع بالنهار مرتين وتلاتة»، فـ»الأسعار سابقاً كانت تأتي من الشركات الكبرى التي نستلم منها البضاعة، وكانت تسعّر بالليرة اللبنانية وبزيادة عن سعر السوق ثلاثة آلاف ليرة لبنانية، الأمر الذي انعكس غلاءً بعدما وضعنا هامشاً ضيّقاً للربح». ويضيف: «التسعير بالدولار سيريح أصحاب المحال لجهة تقلّبات الأسعار وتبديلها على الرفوف كلّ يوم، لكنّه سينعكس على المواطن مزيداً من الضياع، فقد يشتري سلعة بسعر صباحاً، وظهراً بسعر آخر، كون الدولار غير ثابت، والتسعير بالدولار إرتبط أيضاً برفع الضريبة على القيمة المضافة على بعض السلع، وبرفع سعر الصرف الرسمي إلى 15 ألفاً، ما سينعكس غلاءً في الأسعار».
حركة المواطنين بعد الآلية التي وضعتها وزارة الإقتصاد لم تتغيّر كون قدرتهم الشرائية على حالها، وبالتالي فإنّ اقبالهم على تخزين بعض المواد لم يأت وفق التوقّعات، وتشير إحدى السيدات التي صودف وجودها في السوبرماركت، إلى أنّ معظم البقاعيين إستغنوا منذ زمن عن الشراء وفق فاتورة شهرية وانتقلوا إلى شراء ما يحتاجونه، فالسكّر بات بالكيلو، والزيت بالليتر، والبيض بالمفرق، والخضار بالحبّة، ومهما اتّخذت الدولة من قرارات فلن تستطيع أن تعيد ثقة الناس بها، ولا أن تعيدهم إلى الحياة التي كانوا يعيشونها في السابق.
وفي وقت تعمل فرق حماية المستهلك التابعة لوزارة الإقتصاد على مراقبة الأسعار وفحص المواد ومطابقتها للمواصفات، تغيب عن منطقة بعلبك – الهرمل منذ زمن، ويسأل المواطنون عن جدوى قيامها بحملات التفتيش ودهم المحال، من دون أن يؤثر ذلك على الناس بشكل مباشر، وكون بعض التجّار المحميين يسعّرون مجدّداً وفق أهوائهم بعد خروجها من المحال. كذلك يبقى السؤال عن سعر صرف الدولار في السوق السوداء المتزامن مع توقيف مضاربين كبار، وهل سيكون لذلك تأثير في رفع سعر الصرف لقلّة العرض وكثرة الطلب، كون أصحاب المحال سيدفعون للشركات ثمن المواد حصراً بالدولار، كما أنّهم غير مشمولين بالاستفادة من منصّة صيرفة التي تنعكس انخفاضاً في الأسعار، فيما تحصل الشركات الكبرى على دولارات صيرفة وتبيع للمحال وفق سعر السوق.