كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
لا يختلف حال السُنّة في بعلبك – الهرمل عن حال الطائفة على مستوى الوطن: تشتّتٌ وضياع، بحثٌ عن طرف ثوبٍ يتعلّقون به لينشلهم من حضيض ما بعد الإعتكاف، وآمال على عودة تعيد لهم وهجهم وقوّتهم، وتسترجع الكثيرين من أحضان «السرايا» و»البعث».
لم تتبدّل وجدانيات الجمهور السنّي ومشاعره على امتداد قرى وبلدات البقاع الشمالي مع حلول ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري. وفاءٌ وحبّ تُرجما في تأييد رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري، والزحف نحو ساحة الشهداء في الرابع عشر من آذار عام 2005 بكلّ ما ملكت أيديهم من وسائل نقل، وفي التصويت لمرشحي تيار «المستقبل» في المحافظة في دورتي 2005 و2009 على النظام الأكثري من دون الوصول الى النتيجة المرجوّة، وفي الخرق المحقّق عام 2018 وفق النظام النسبي بالتكاتف والتضامن مع «القوات اللبنانية»، وفي الانهزام عام 2022 بفعل الإعتكاف ودعوات المقاطعة، وانتقال بعض من كانوا في صفوف «المستقبل» ومرشّحيه سابقاً الى كفّة البحث عن الدعم ونقل البارودة الى الكتف الأخرى بحجة ملء الفراغ وعدم ترك الساحة، لتعود الساحة السنّية مشرّعةً أمام كل طارقٍ لبابها، تستهوي أصحاب المشاريع التقسيمية القائمة على تناقضات أرباب الطائفة واللعب في ساحتهم، وخرق صفوفهم أكثر وأكثر، وبناء زعاماتٍ وهمية لا تصل إلى مصافّ تحقيق خدمةٍ أو منفعة.
في مهبّ الريح تُرك مصير عددٍ كبير من أبناء الطائفة والذين كانوا يؤيّدون الرئيس سعد الحريري وتيار «المستقبل» في بعلبك الهرمل، فهو الزعيم السنّي الأوحد الذي عبر المحافظات كافة، وكان لحزبه وجود وحضور بين الجميع، في وقتٍ تقوقع القياديّون السنّة جميعهم من آل كرامي، إلى ميقاتي ومراد، وغيرهم ضمن مناطقهم، وسعى بعضهم وآخرون إلى وراثة الحريري شعبياً من دون أن يكتب لهم النجاح. فالناس هنا يحتاجون إلى من يقف معهم ويدعمهم، لا أن يكون زعيماً ظرفياً، يظهر خلال المواسم الإنتخابية ويختفي بعدها، وما بينها انتهازيون يصوّرون أنفسهم مرجعيات في المنطقة، وهم بنوا رصيدهم الشعبي على حساب تيّار «المستقبل» والحريري الأب والإبن.
يؤكّد مصدر بقاعي عتيق لـ»نداء الوطن» أنّ خلط الأوراق ضمن الطائفة السنّية على صعيد الوطن، واعتكاف الرئيس سعد الحريري إنعكس على سنّة بعلبك الهرمل، حالهم كحال إخوانهم على امتداد مساحة الوطن، غير أنّ التشرذم الحاصل هنا لا مثيل له، حيث دخل مختلف الأحزاب على خط استقطاب السنّة، تحت مسمّياتٍ ومغريات، في وقت يرزح الناس تحت ضائقة إقتصادية، ويعانون أوضاعاً صعبة إضافةً إلى واقعهم الضعيف ضمن البيئة والمساحة الجغرافية، والواقع نفسه معمّم على مستوى لبنان بأكمله، حيث عمل من اغتال الرئيس رفيق الحريري على تضييق الخناق عليهم وتهميشهم، وتركهم في مهبّ التجاذبات والمحاصصة.
ويضيف المصدر أنّ «الوضع القائم اليوم إذا ما استمرّ فستكون نتيجته مكلفة في مفاقمة آثار فراغ الساحة
والإعتكاف، فـ»حزب الله» يعمل على مستوى البلدات والقرى كافةً في سبيل زيادة المنتسبين إلى «السرايا اللبنانية» كما سمّاها والمعروفة بين الناس بـ»سرايا المقاومة»، حيث يقدّم لهم مساعدات وتسهيلات، ويقيم الندوات السياسية محاضراً بالمنتسبين، وقد أرسى وعزّز هذا التمدّد ضمن البيئة السنّية بإنجاح نائبي المنطقة السنّيين على لائحته، كذلك يعمل على تعزيز حضور البعض، واستحضار زعامات ضمن عائلات وتعويمها».
وعلى مقلب الأحزاب الأخرى، يشير المصدر الى «أنّ حزب البعث العربي، وبعد التعيينات الجديدة التي حصلت، بدأ يعمل على استنهاض الشارع الحزبي القديم واستقطاب منتسبين جدد، حيث بدا المشهد واضحاً في بلدة عرسال أخيراً خلال حفل أقامه «البعث»، الذي لم يكن يتوقع حجم الإقبال وأعداد الناس في بلدةٍ تُعدّ خزّان تيار «المستقبل» في البقاع الشمالي، وقدّمت ما قدّمته على مدار السنين، وشارك المئات منها في مليونية الرابع عشر من آذار»، مضيفاً «أنّ الناس في طبيعتهم يلحقون بالأقوى و»يلي ماشي» والمنتسبون الى «البعث» اليوم كانوا ضمن «المستقبل»، وكانوا بعثاً أيضاً قبل الإنتساب الى الأزرق، وهكذا يستمرّ البعض ناسياً مبادئه وثوابته التي تهتزّ أمام كلّ جديد».
وختم المصدر بأنّ «القيادات السنّية اليوم مدعوّةً للملمة الشارع والوقوف الى جانب الناس بغضّ النظر عن الوراثة، فالزعامة لا تكون مشروطة بنتائج انتخابات فشل في إدارتها من أوكلت إليهم المهمات لدفع الناس الى صناديق الإقتراع في زمن المقاطعة».