كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
عبءُ التمديد للمجالس البلدية لأشهر وصولاً إلى سنة يطلّ برأسه، حاملاً وزر غياب الدورة الديمقراطية، وأخذ الأحزاب والقوى السياسية العشائر والعائلات رهينة منع إجراء الإنتخابات، لتتّسع دائرة الفراغ في الدولة المتهالكة.
تسري شائعة التمديد للمجالس البلدية والإختيارية الممدّد لها قسراً عاماً واحداً، وبات الجميع في أجواء القرار بإنتظار أن تتبلور الصيغة النهائية والمخرج، وبعدما أدلى رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بدلوه معلناً الأفضلية للإنتخابات الرئاسية، لتلتحق الأحزاب بالقافلة، وتُسمِعُ علناً جمهورها ومناصريها لا سيّما في بعلبك الهرمل، أن لا انتخابات في أيار، ويهمس موظّفو دائرة النفوس في آذان المخاتير عن لا جدوى من تصحيح الأسماء في لوائح الشطب التي وزّعتها وزارة الداخلية الشهر الماضي طالما أنّ الإنتخابات مؤجلة.
أزاحت الأحزاب والقوى الفاعلة على الأرض في بلدات وقرى البقاع كافةً عن ظهرها حمل الدخول في بازارات التقسيمات للمجالس البلدية والإتحادات، بعدما كانت جائزة ترضيةٍ للعائلات، تُحاصص من خلالها وتوازن بين الجميع، وتضرب روحية العمل الإنمائي الذي من أجله أنشِئت المجالس المحلية واللامركزية الإدارية. وفي وقت ارتفعت الأصوات المطالبة بترك هذه الإستحقاقات شأناً داخلياً عائلياً وعشائرياً وفق مبدأ أهل مكّة أدرى بشعابها، واصلت الأحزاب انخراطها في بازار التقسيمات ضمن السنة الممدّدة، رافعةً اليد في حال أقرّت التمديد الثاني، تاركةً القديم على قدمه، كون البلديات في أغلبها تئنّ تحت ضغط الإفلاس، وعدم قدرتها على تغطية نفقاتها ورواتب الموظفين، وكون تلك القوى تدعم مالياً أغلب هذه البلديات، وبالتالي تتحكّم بقراراتها.
التمديد في حال وقع، ولا شيء ثابتاً حتى الآن، حيث يعوّل كثيرون على الضغط الدولي وتأمين التمويل اللازم لإجرائها، يرتّب على البلديات والقوى السياسية والدولة أعباء لا يمكن تحمّلها، حيث لا يمكن لوزارة الداخلية والمحافظين والقائمقامين القيام بمهام البلديات في حال لم يتمّ تشريع التمديد في مجلس النواب وتصبح بحكم المنحلّة، كون إمكانياتهم محدودة لجهة الموظفين. ولا يمكن إدارة أكثر من مئة وعشر بلديات على سبيل المثال في محافظة بعلبك الهرمل، وسط الخلافات التي تنشأ بين العائلات ضمن القرى والبلدات، إضافة الى الإحراج الذي ستواجهه الأحزاب أمام جمهورها، وعدم قدرتها على السير بالإنتخابات، لحسابات ضيّقة تدخل ضمن اطار الخوف من خسارتها أمام تلك العائلات، وفشل النماذج التي قدّمتها ضمن تقسيمات التوافق والتمديد، وروائح الفساد التي خرجت منها، فيما سترزح البلدات تحت وطأة عدم قدرتها على القيام بأبسط واجباتها، من إزالة النفايات وترميم البنى التحتية وغيرها.
أمّا الاشكالية الكبرى التي ستنجم عن التمديد والتي ستواجه الدولة والأحزاب معاً، فهي استعداد عدد من مجالس البلديات إلى تقديم استقالاتها في حال تم التمديد، كي لا تتحمل نتائجه المحكومة بالفشل، فضلاً عن الخلافات التي راحت تظهر بين العائلات وأعضاء المجالس البلدية حول من يحق له تولي الرئاسة ونيابة الرئيس، والأمر الذي يدخلها في آتون الفراغ حكماً بتمديد أو من دونه.
وحول قانونية التمديد والقراءة الدستورية للواقع، أشار الكاتب والأستاذ الجامعي المتخصّص في القانون الدستوريّ الدكتور جهاد اسماعيل إلى أنّ «دعوة الهيئات الانتخابيّة البلدية تعود أساساً إلى وزير الداخليّة، وذلك خلال الشهرين السابقين لنهاية ولاية المجالس البلدية، على خلاف الدعوة إلى الانتخابات النيابية الواجب تنظيمها بمرسوم لا بقرار وزاري، كما هو الحال في الانتخابات البلديّة وفق المادة 14 من قانون البلديات، ما يُلزم حكومة تصريف الأعمال تأمين الاعتمادات اللازمة بشأنها، سواء عبر مشروع موازنة 2023 أو عبر احتياطي الموازنة على القاعدة الاثنتي عشريّة، وإلّا عبر إقرار قانون خاص بها في مجلس النواب الذي يستطيع التشريع عندما لا يلتئم كهيئة ناخبة في جلسة غير مخصّصة لانتخاب الرئيس بموجب المادة 75 من الدستور، وعند تمويل الانتخابات عبر الجهات المانحة، حينئذٍ يجري قبول هذه الهبة عبر مرسوم صادر عن مجلس الوزراء».
وقال لـ»نداء الوطن»: «إن كلّ عمل إداري يجب إجراؤه في مهل قانونيّة تحت طائلة السقوط، يُلزم حكومة تصريف الأعمال ممارسته من دون إبطاء، ذلك أنّ إجراء الانتخابات البلدية واجبٌ دستوريّ لا يمنعه الشغور الرئاسي، يقتضيه حقّ الاقتراع كحقٍّ دستوريّ يجسّد المادة 7 من الدستور، ويتفرّع عنه مبدأ دستوري آخر وهو مبدأ دورية الانتخابات المكرّس، مبدئياً، في الفقرة «ب» من المادة 25 من الاتفاقية الدوليّة الحقوق المدنيّة والسياسيّة الصادرة عن الأمم المتحدة حيث انضمّ اليها لبنان سنة 1972، وبالتالي إنّ أيّ تأجيل للانتخابات هو خرقٌ لمبادئ أو قواعد ذات قيمة دستوريّة».
واذا انقضت ولاية المجالس البلدية قبل صدور قرار التأجيل، ولم تجر الانتخابات في الوقت عينه، يؤكد اسماعيل اعتبار المجالس البلدية غير قائمة قانوناً، وبالتالي لا يجوز أن تصدر عنها أيّ قرارات، ما يعني أن نظريّة تصريف الأعمال في هذا المضمار، غير متحقّقة، بسبب انتفاء النصّ القانوني الصريح الذي يُوليها هذه الصلاحية، ما لم يُقرّ مجلس النواب قبل انتهاء الولاية قانوناً يجيز لها الاستمرار، وإلّا لا يحقّ للمحافظين والقائمقامين، عند وقوع فرضيّة انتهاء ولاية المجالس البلديّة قبل إجراء الانتخابات، تولّي أعمال هذه المجالس، لأنّ اناطة مهمّة القيام بأعمال المجالس البلدية للمحافظين والقائمقامين تقع عندما تُعتبر منحلّة وفق شروط المادة 23 من قانون البلديات، وتحديداً عند فقدان المجالس نصف أعضائها على الأقل أو عند الحكم بإبطال انتخابها لا عند انتهاء ولايتها».