كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
طويت صفحةٌ سوداء من تاريخ بعلبك الأبيض، بعد عشر سنوات على الحادث الأليم الذي وقع في السوق التجاري وذهب ضحيته آنذاك 5 اشخاص وأكثر من 10 جرحى، وذلك إبّان بداية الحرب السورية التي أرخت على الداخل اللبناني أجواء من التشنّج والتوتر وكادت أن تشعل فتنةً.
أشهر وتكمل ذكرى حادثة بعلبك وسبتها الأسود، عامها العاشر، يوم تحولت شوارع بعلبك وأزقّتها ساحة حرب، جرّاء خلافات فردية بعدما أقام «حزب الله» حواجز أمنية في السوق التجاري وعلى مداخل المدينة، تفادياً لتسلّل ارهابين وإنتحاريين. وكانت الحرب السورية في أوجها وقد مضى على بدايتها عامان، حيث شحنت النفوس فعزّزت من الإنقسام بين الأطراف اللبنانية. ومع تسلل الحرب عبر الحدود اللبنانية، تسارعت وتيرة الأحداث في الداخل اللبناني، وزادت حدّة الإنقسام في بعلبك التي كانت المتضرّر الأكبر من تداعيات تلك الحرب، وخسرت زينة شبابها، في مشهدٍ لا يغيب عن ذاكرة البعلبكيين. في الثالث والعشرين من أيلول عام 2013، ومن دون سابق إنذار، علت أصوات البنادق والرصاص، إثر خلاف فردي بين شبّان من عائلة الشيّاح يملكون محلاً تجارياً ضمن السوق التجاري، مع شبّان من «حزب الله» على حاجزٍ أقامه «الحزب» في المنطقة. وتسارعت وتيرة الأحداث، وتحوّلت شوارع المدينة وأزقّتها ساحات قتال، فسقط خلالها عدد من الضحايا من بينهم شبّان لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا في منازلهم أو من بين المارّة، إضافةً إلى جرحى لا يزالون يعانون من تداعيات إصاباتهم حتى اليوم، ودبّ الذعر في قلوب البعلبكيين خوفاً من أن تتحول تلك الحادثة الفردية الى فتنةٍ سنّية ـ شيعية وتتوسع دائرتها لتطال باقي المناطق.
لكنّ حكمة العقلاء، والجهود المضنية التي بذلتها الأحزاب والفاعليات في حينه حالت دون توسّعها، غير أنّها أبقت على النفوس مشحونة، وأقفلت المحال التجارية ضمن السوق، وبدأت مسيرة الإصلاح والمصالحة. وبعد عشر سنوات تكلّلت جهود الأحزاب والعائلات والعشائر بالنجاح، وتمّت المصالحة بين الأطراف المعنية والعائلات، من دون أن تشمل ذوي شهيد في الجيش اللبناني كان أصيب برصاص وهو على شرفة منزله.
وأمس، وبرعاية أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، وتحت عنوان المصالحة الأخوية، أقيم لقاءٌ جامع في مطعم هياكل بعلبك، بحضور فاعليات دينية وسياسية وإجتماعية، وتحدث خلاله رئيس لجنة الإصلاح السيّد فيصل شكر مؤكّداً التعالي على الجراح، وإصلاح ذات البين ضمن عائلة المدينة الواحدة، كذلك تحدث الشيخ مشهور صلح عن المصالحة وإيجابياتها.
من جهته، أكد مفتي بعلبك الهرمل الشيخ بكر الرفاعي أنّ الخسارة وقعت على الجميع، «ومن هنا وجب أن تنطلق سكّة المصالحة وأن نعود متآلفين متحابين، ولا يستطيع المجتمع أن ينهض ليحقّق أهدافه إذا كانت أجزاؤه مختلفة، وليس هناك مشكلة بين مذهب ومذهب أو عائلات، فالمشكلة كانت بين أفراد»، مؤكّداً «أنّ بعلبك عائلة واحدة، إلتقت فيها كلّ التيارات والأحزاب، والجميع قدّم التسهيلات».
بدوره، شكر رئيس الهيئة الشرعية في «حزب الله» الشيخ محمد يزبك كل من شارك في اللقاء وساهم في الحلّ، مؤكّداً «أنّها ساعة للتأكيد على أنّنا جسدٌ واحد… ونعتبر أنها محنةٌ ومرّت… لم نكن نريد أن تكون المنطقة وبعلبك إلا عنواناً كريماً لعيش عزيز وأخوة، ولتكون بكل أطيافها أسرة واحدة كما كانت على امتداد التاريخ».