كتب عيسى يحيى في نداء الوطن ،
وسط الضبايية التي تلفّ إستحقاق الإنتخابات البلدية والإختيارية، وتضارب التأويلات والتحليلات حول رجحان كفّة التأجيل، أقلّه لثلاثة أشهرٍ، على إجرائها في موعدها أواخر أيار المقبل، يسود الجمود والغموض المشهدية في بعلبك الهرمل.
تحت مخدّر خيار التأجيل، تعيش العائلات والعشائر في ما يخص الإنتخابات البلدية والإختيارية وتستثمر بعض الأحزاب فيه، معمّمةً فرضية التأجيل، عاقدةً العزم على الفوز عند حصولها، خصوصاً وأنها تتجهّز بعيداً من الأضواء لإيهام الناس أنّ لا إنتخابات في الأفق، فيما تدعو أحزابٌ أخرى إلى عدم التأجيل لما لذلك من أثرٍ سلبي على عمل السلطات المحلية والفراغ الذي يمكن أن تحدثه، فلا يتحمّل البلد فراغين، وأمور الناس الحياتية ومعاملاتهم لا تحتمل التأجيل، مستندةً الى قاعدتها الشعبية التي لم تتغيّر وتتأثّر بالأحداث. وما بينها التخبّط الذي يلف القرى والبلدات ويترك أثره السلبي على التفاهمات والإصطفافات، لتظهر الخلافات عندما تصبح الإنتخابات أمراً واقعاً، وتتدخل الأحزاب المسيطرة في هذه البلدات لتعقد الصلح والتقسيمات لصالح مناصريها ومحازبيها على حساب «أهل مكّة».
مشهد الإنتخابات البلدية في بعلبك الهرمل هذه الدورة، إن أجريت، سيحمل في طيّاته مفاجآت ونتائج في أماكن، وإبقاء القديم على قدمه في أماكن أخرى، مع سعي البعض للدخول إلى الساحة السياسية البقاعية من بوابة الإنتخابات البلدية، وتجهيز أرضية شعبية يبني عليها لاحقاً في الإنتخابات النيابية. مثال ذلك حزب «البعث العربي الإشتراكي»، الذي يتمدّد في القرى والبلدات البقاعية، يجمع المناصرين والمحازبين القدامى والجدد، يعزّز حضوره وخصوصاً في الساحة السنّية، وسيكون مستعدّاً لخوض غمار الإنتخابات البلدية في المناطق ذات الثقل الحزبي، كبلدة عرسال التي ظهرت صورتها أخيراً كإحدى المناطق الرئيسية الرافدة لـ»البعث» شعبياً، وعدد من البلدات الأخرى، والسعي إلى تعزيز حضوره وزيادة الأعضاء المحسوبين عليه في مجلس بلدية بعلبك. وتالياً، فإنّ النجاح سيعزّز الفرص في إنتخابات 2026 النيابية، في وقتٍ شهدت انتخابات 2022 مدّاً وجزراً بين مرشحي لائحة «نحمي ونبني» في بعلبك الهرمل، رست في نهايتها على النائب الحالي جميل السيّد.
على ضفة الطرف السنّي المبعثر بين عدة فئات وأطياف، الأرجح أنّه سيكون الخاسر الأكبر في البلديات ذات الشراكة مع المكوّنات الوطنية الأخرى، وستتبعثر أصواته لصالح التكتّلات واللوائح التي تنظمها الأحزاب لا سيّما في بعلبك والمناطق ذات التداخل، حيث تعقد تلك الأحزاب الإتفاقات مع المكوّنات الصغرى، وتلك المحسوبة عليها سياسياً كـ»جمعية المشاريع الخيرية» التي ستكون صاحبة الحظ الأوفر في نيابة رئاسة مجلس بلدية بعلبك المقبل، فيما ستتصارع المكونات والأطياف الأخرى والزعامات التي نشأت حديثاً على من يمثّلها في تلك اللوائح من دون أن تكون موحدةً ومنضوية تحت سقف التمثيل الصحيح للطائفة، ومع دخول «البعث» و»سرايا المقاومة» على خط الولاء السياسي، ستكون مرهونة بالتحالفات حكماً، فيما ستشهد البلدات السنّية الصرف، وذات اللون الديني الواحد لأعضاء المجلس البلدي، صراعات وتفكّكاً، سيكون المستفيد منه حكماً الوصيّ السياسي عليها، وتراجعاً لدور العائلات أمام المحادل التي صنعتها الأحزاب ضمن الطائفة السنّية، إضافةً الى الدور المالي الذي سيكون رئيسياً بهدف السيطرة على تلك البلدات.
وعلى خطّ حركة «أمل» و»حزب الله»، فلا تزال أجواء حركتهما الإنتخابية بعيدة من الأنظار، مع نفي حصول الإستحقاق البلدي والإختياري في موعده، ولأنّ القاعدة الشعبية للطرفين لا تزال على حالها، فإنّهما مطمئنّان الى النتائج التي سيحقّقانها متى وقعت الإنتخابات، متخوّفين من بعض المناطق لا سيما مدينة بعلبك التي تشهد تحرّكاتٍ شعبية بين الحين والآخر بسبب الوضع الإقتصادي، وهو الأمر الذي لا يحدث في المناطق التي تقع تحت سيطرة «الحزب» إلا اذا كان المتظاهرون خارج الإصطفاف السياسي له، كذلك حالُ الرفض والتذمّر ضمن المدينة بسبب الأداء البلدي على مدار المرحلة الماضية من جهة، والشخصيات التي يأتي بها الحزب من جهة أخرى، ونتائج إنتخابات العام 2016 حين كانت اللائحة المعارضة فيها على شفير تحقيق خرق.
أما واقع الأحزاب المسيحية فلا يختلف عن باقي القوى السياسية الأخرى، حيث تحظى «القوات اللبنانية» بغلبة القاعدة الشعبية المسيحية في بعلبك الهرمل، وتسيطر على مختلف البلديات في المناطق المسيحية الصرف في بلدات دير الأحمر والقاع وغيرهما، ولا تأثير على تمثيلها فيها متى وقعت الإنتخابات، وتسعى في المناطق ذات التعددية الطائفية إلى وصول ممثّلين حقيقيين لأبناء الطائفة، لا أرقام على اللوائح الرابحة.