كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن ،
في حمأة الإنشغالات والإهتمام الدولي بملف الانتخابات الرئاسية في لبنان، مرت زيارة مفوض الاتحاد الاوروبي لإدارة شؤون النازحين يانيز لينارتشيتش إلى لبنان مرور العابرين رغم ما شهدته من مواقف ومحطات تستوجب التوقف عندها لما تشكله من أبعاد بالغة الخطورة على مستوى عودة النازحين السوريين إلى ديارهم.
قام المفوض بجولة على مخيمات النازحين في البقاع، واعترف «بالتحديات التي يشكلها هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين، وما يمثله لبلد بحجم لبنان»، لكنّه بالمقابل أكد الاستمرار «كما فعلنا منذ 12 عاماً، في مساعدة ودعم كل اللاجئين السوريين». ولذا أعلن عن رفع قيمة المساعدات إلى 60 مليون يورو «كمساعدات إنسانية للفئات الأكثر ضعفاً في البلاد، بمن فيهم اللاجئون السوريون». ولكن لم يأت على ذكر عودة النازحين إلى بلادهم ولم يربط المساعدات التي يقدمها الإتحاد بفترة زمنية محددة بل أبقاها مفتوحة ما يؤشر إلى أنّه لا نية دولية ولا ضغط لإعادتهم إلى بلادهم.
رغم كل تشهده المنطقة من تحولات وإعادة كل الدول تقريباً علاقاتها مع سوريا، بقي ملف النازحين بعيداً من حيز الإهتمام في ما يخص دعم عودتهم أو على أبعد تقدير رفع الفيتو عن رفض هذه العودة أو السماح بها من خلال تقديم المساعدات للنازح في بلده وليس على أرض لبنان. لم يعد الأمر يحتاج الى أدلة وبراهين على وجود مسعى دولي لدمج النازحين السوريين وإبقائهم في أماكن تواجدهم في لبنان، وهذا سلوك يساعد في رفع مسؤولية النازحين وكلفة عودتهم، عن كاهل النظام ويضاعف أعباء أزمة لبنان واللبنانيين.
ويعكس سلوك الموفد الدولي وتعاطيه لا سيما لناحية زيارة مخيّمات النازحين في البقاع، وجود إرادة دولية تعاكس رغبة الدولة اللبنانية وحاجتها الملحة لرفع أعباء النازحين عن كاهلها. الأمر صار بمثابة تحدٍ دولي للإرادة المحلية تجلى في زيارة موفد أممي لمخيمات النازحين ليشد على سواعدهم ويعدهم بزيادة المساعدات، بينما تقف الدولة اللبنانية عاجزة.
الإنطباع السائد هو أنّ المجتمع الدولي لا يريد عودة النازحين إلى سوريا وليس مستعداً لبحث موضوع العودة بأي شكل من الأشكال ولا يلحظها في خطط عمله المستقبلية، وقد بات مؤكداً أنّ معركة إعادتهم مرتبطة بصراع المحاور الدولي بدليل ما ينقله سياسي بارز زار الإتحاد الأوروبي وتحديداً البرلمان الأوروبي حديثاً، وعاد بانطباعات مختلفة عما كان صدر عن وفد نيابي لبناني زار بروكسل حديثاً باعتبار ملف النازحين ملفاً إنسانياً وأن ظروف عودتهم الى بلادهم لم تتوفر بعد من قبل النظام السوري ما يستوجب دعمهم في الدول حيث يقيمون.
يتحدث السياسي البارز عن أن الإتحاد الأوروبي في حال انقسام وعجز بحيث لم يعد يقوم بالدور المفترض أن يكون عليه وهو وقع ضحية الصراعات الدولية التي أثّرت على حضوره وقوة قراراته. يقول إن الإتحاد الأوروبي أصبح خاضعاً بأكثرية قراراته في الشرق الأوسط وأوروبا لما تمليه عليه المنظمات غير الحكومية. تأثير هذه المنظمات على قراراته أقوى من تأثير البرلمان نفسه.
ويروي السياسي الزائر خلاصة ما استنتجه من إجتماعاته مع عدد من النواب وكبار الموظفين في البرلمان الأوروبي أنّ هذا البرلمان ومعه المفوضية الأوروبية يمتنعان عن الإجابة أو يلوذان بالصمت حين يتعلق الموضوع بعودة النازحين السوريين إلى سوريا، وتحت الإلحاح يأتي الجواب «إسألوا أميركا أو عودوا إلى المفوضية العليا للاجئين فهي صاحبة القرار».
وبشرح أدق وأكثر تفصيلاً، يأتي الجواب الصريح بلا مواربة «إن القرار ليس بيدنا. نحن نقر أن اللبنانيين على حق وأن النازحين يشكلون خطراً وجودياً على لبنان لكننا عاجزون عن القيام بأي خطوة في هذا الخصوص، لا بل ملزمون بتقديم التمويل للنازحين في أماكن تواجدهم على الأراضي اللبنانية». وفي الذهاب بعيداً لشرح مثل هذا الكلام يتبين لمسؤولين في البرلمان الأوروبي أنّ ملف النازحين السوريين في لبنان صار رهينة صراع المحاور الدولية أي ذاك الدائر بين أميركا وروسيا. وتظهر المعلومات أنّ من يدير السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي هو الثنائي الألماني- البولوني وهو الأكثر شراسة في دعم الموقف الأوكراني والتحريض على مواجهة الحرب في مواجهة روسيا.
هذا المحور المدعوم من بريطانيا وهي خارج الإتحاد الأوروبي يفرض رأيه بفعل القوة المالية والعسكرية للثنائي البولوني- الألماني وله بالتوافق مع الأميركيين موقف حازم داخل سياسة الإتحاد برفض عودة النازحين باعتبار أنّ النظام السوري هو نظام معادٍ للأوروبيين وملحق بروسيا وإيران، وتحت هذا العنوان يتم التعامل مع النازحين على أنهم ورقة ضغط بيد المحور البولوني- الإلماني- الأميركي تستخدم في الصراع مع روسيا وإيران.
خلاصة القول إنّه أمام لبنان أيام صعبة في ملف النازحين بفضل المعطيات التي لا تبشّر بالخير طالما أنّ القوى الفاعلة داخل الإتحاد الأوروبي ذات الثقل العسكري فيه تضع ملف النازحين في سياق الصراع الحاصل مجدداً بين الشرق والغرب. ما يعني أننا انتقلنا من مرحلة ربط قضيتهم بالحل السياسي للأزمة في سوريا إلى صراع المحاور الكبرى المستجد بين الروسي والأميركي، وهذا ما يفسر شراسة الألمان وتعاطي سفيرهم في لبنان السلبي مع وزارة الخارجية.