“الحواكير”… مزروعات وحشائش لحواضر البيت

كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
يسعى البقاعيون بكلّ ما أوتوا من إمكانيات إلى العمل من أجل الصمود والبقاء، في ظلّ طفرة الأسعار والغلاء الذي طال مختلف السلع، ويبحثون عن تأمين حاجاتهم وفق السبل المتاحة بين أيديهم، حيث عاد بعضهم إلى الزراعة أمام منازلهم، واقتناء ما تيسّر من دواجن وغيرها.

نشطت خلال السنوات الثلاث الأخيرة الزراعة في المنازل، كلٌ حسب مساحة الأرض التي يمتلكها أمام منزله، وأصبحت «الحاكورة» جزءاً أساسياً من حياة البقاعيين، يعتمدون عليها في تأمين ما يلزمهم من خضار وحشائش بعدما ارتفعت أسعارها بشكل جنوني، وحرموا من اللحوم والدجاج، وباتت موائدهم وأطباقهم تتكوّن بشكل رئيسي من الخضروات.

لم تعد الزراعة في البقاع حكراً على المزارعين الكبار أو من يمتلك مساحاتٍ من الأراضي، وفيما ينقسم المزارعون في المنطقة إلى قسمين: الأول، مزارعو الفواكه والأشجار المثمرة، والثاني مزارعو الخضار، أصبح أكثر من ثمانين بالمئة من سكّان المنطقة مزارعين، حيث تشهد الزراعة المنزلية طفرةً لم نعهدها من قبل، ويتزاحم المواطنون أمام الصيدليات الزراعية لشراء الأدوية والبذور، وأمام المشاتل التي انتشرت بشكل أكبر خلال الآونة الأخيرة لشراء الشتول اللازمة للزراعة، من بندورة، فليفلة، باذنجان، خيار، وغيرها من سلع يعتمدون عليها طوال فترة الصيف للأكل، ويحتفظون ببعض الأصناف الأخرى للمونة الشتوية بعد أن تخضع للتوضيب والتيبيس.

على مساحة لا تتعدّى 50 متراً أمام منزله في محيط مدينة بعلبك، بدأ أحمد استعداداته لموسم الزراعة الصيفي، ومن مختلف أنواع البذور( بقدونس، روكا، فجل، خس)، إضافة إلى البندورة واللوبيا والكوسا، اشترى كميّات محدّدة لتتسع أرضه لجميع تلك الأصناف، وأوضح لـ»نداء الوطن» أنه للعام الثاني على التوالي يقوم بزراعة حاكورته، وهو تفرّغ لها بعدما تقاعد من السلك العسكري، وبعدما أصبح معاشه التقاعدي لا يكفي كل حاجاته، فكان مشروعه الزراعي لتأمين الخضار للمنزل.
واعتبر أنّ «أسعار الحشائش وأنواع الخضار في السوق مبالغٌ فيها، لكن غياب الرحمة من قلوب التجار أوصلتنا إلى هنا»، مؤكّداً أنّ هذه الحاكورة المتواضعة تؤّمن له ما يلزمه من منتصف أيار حتى أواخر أيلول، كذلك يفيض عنه من المحصول ويوزّع على جيرانه وأهله القريبين منه.

زراعة الخضار وتأمين البذور بأسعار مرتفعة نوعاً ما، وصرخة الكثيرين لا سيّما مزارعي البطاطا بسبب دخول الصنف المصري وكساد إنتاجهم، وضياع مردودهم بين كلفة الإنتاج والنقل، إضافة إلى سرقة أصحاب المحال تعبهم، حيث تباع معظم الأصناف بسعر مضاعف عن ذلك الذي إشتروا به الخضار من المزارع، وغلاء المحروقات وأسعار الأدوية الزراعية التي تباع بالدولار حصراً… لا تلغي أبداً الاهتمام بالزراعة الذي تشهده منطقة بعلبك الهرمل ومنازلها.

ومع بداية شهر أيار يبدأ مزارعو الأشجار المثمرة عملهم من خلال رش الأشجار بالأدوية وفق روزنامة زراعية يحدّد فيها الوقت بحسب الصنف والآفة، والرّي الذي يكون منظّماً ومحدّداً وفق أيام الأسبوع.

وهنا يواجه هؤلاء ارتفاع تكلفة الدواء وثمن المحروقات للري، حيث زاد ثمن برميل المازوت الضعف عن السنة الماضية وفي مثل هذا الوقت، أما الأدوية الزراعية التي تباع بالدولار حصراً فبقي سعرها على حاله مع فارق إنخفاض قيمة الليرة اللبنانية، وفيما كان العام الماضي الدولار الواحد يساوي 27 ألفاً في أيار، زاد ثلاثة أضعاف هذا العام، كذلك تبقى الفواكه على اختلافها ( كرز، تفتح، إجاص، مشمش) تباع بالليرة اللبنانية، وعند موسم القطاف تنخفض أسعارها فجأة، ولا يتمكّن المزارع من إسترداد الكلفة.

وضمن هذا الإطار، يشير المهندس الزراعي محمد بيان الى أن أسعار الأدوية الزراعية لا تزال على حالها بالنسبة للدولار، لكن انخفاض قيمة الليرة اللبنانية أثّر على المزارعين وخصوصاً أنّ أسعار مبيع المواسم الزراعية لا تلبّي قيمة ما يدفعه المزارع، وعند بداية القطاف تنخفص بشكلٍ ملحوظ ما يؤثر على انتاجية المزارعين وتراجع مردودهم. ويتحدّث عن مشكلتين أساسيتين تواجه المزارعين: «الاولى ارتفاع اسعار المحروقات بالنسبة للري والنقل، في وقت لا قدرة لهم على تركيب أنظمة طاقة شمسية، والثانية ارتفاع تكلفة الانتاج المرتفعة مقارنة بالدول العربية، والسلع التي ننتجها أسعارها مرتفعة ولا تمكّننا من المنافسة».

وعن الزراعة أمام المنازل أكد أنّ كل من يملك 20 متراً يزرعها، فالحاكورة تكلف مليون ونصف في أقصى الحدود ويستفيد منها المواطن خلال فصل الصيف، ومعظم الناس اقتلعت الورود من امام منزلها وزرعت مكانها خضاراً.

وحول الأدوية الزراعية قال: «لكلّ دونم من الاشجار المثمرة أو الخضار سعر مختلف، فالأشجار المثمرة لا تقل تكلفة 10 دونم عن خمسين دولاراً وبمعّدل كل 20 يوماً مرّة واحدة، وهو ما يكبد المزارع عناءً كبيراً، ناهيك عن معاناة المزارعين الآخرين».

Exit mobile version