كتب رمال جوني في نداء الوطن،
يمضي الفاخوري جهاد إسبر في حرفته العتيقة، يعمل على إنجاز «طلبية»، ارتفع الطلب في الآونة الأخيرة على هذه الصناعة التي رافقت أجيالاً وأجيالاً، بعد عودة ربات المنازل إلى استعمالها، فهي أكثر صحّة. وحده يعمل. لم يجد من يمتهنها أو يساعده. مع ذلك يجهد في بقاء حرفته على قيد الحياة. في راشيا الفخّار، ربما يكون الفاخوري الوحيد الذي ما زال يمارسها في البلدة التي أخذت اسمها، غير أنها تصارع اليوم من أجل الصمود ما حدا بإسبر للقول: «أخشى أن تصبح راشيا الفخار بلا فخار».
مرّ زمن وهو يعمل في تطويع الطين وتحويله إلى أشكال وأنواع مختلفة. لم يكلّ يوماً من حرفته التي توارثها أباً عن جد. في راشيا، وقبل 30 عاماً تقريباً، كان معظم أبنائها يعملون في هذه الحرفة، التي كانت سيّدة الصناعات التقليدية. إذ لا يخلو منزل من آنية فخارية بأشكالها وأحجامها المتعددة، اليوم لا يوجد سوى إسبر يعمل بها.
عاد الفخّار ليحتلّ المائدة. بات جزءاً أساسيّاً من عدّة المطبخ، سواء داخل المطاعم حيث يتغنى أصحابها «بالأكل في الفخار» أو في المنازل إذ استُبدلت بعض الأواني بالفخار.
إنتعش السوق حديثاً، تتزايد أعداد المحال التي تبيعها. يفرح إسبر بازدهار حرفته مجدّداً والتي يعتبرها فنّاً، غير أنّه «يعزّ عليه رفض الجيل الشاب تعلمها، وكأنّها لا تتناسب مع «برستيج» العصر».
أمام طاولته يجلس المعلّم جهاد. دقائق معدودة تتحوّل عجينة الطّين إلى فخّارة في غاية الإبداع. اعتادت يداه هذا العمل منذ نعومة أظافره. لم يتعب أو يتأفف أو حتى يتذمر. الحرفة مهنته ومصدر رزقه، ألفها وباتت جزءاً من حياته. يرفض الإستسلام، في الوقت الذي عادت الروح تضخ في مهنته. لم تدعم الدولة يوماً الحرف القديمة، تركتها تندثر الواحدة تلو الأخرى، غير أن إسبر يشير إلى أنّ «الأزمة الحالية دفعت الناس إلى الحرف القديمة»، لافتاً إلى «ارتفاع الطلب على إنتاجه داخل لبنان، ولكنّه يعاني من منافسة الفخّار المستورد»، مشدّداً على أنّ «نوعية الفخّار الراشاني هي الأجود في السوق ولكنه لا يحظى برعاية وزارة الصناعة، التي لم تدعم الحرف الصناعية وتركتها تصارع وحيدة».
هي واحدة من حرف كثيرة مهددة بالإندثار، أما في دول العالم فيتمّ المحافظة عليها لأنها هوية وطن، إلا في لبنان، تُترك الحرف لتنقرض، فهل ينتهي عصر حرفة الفخّار قريباً؟