“الطبق اليومي” لأكثر من 700 عائلة زحلية… بهمّة 156 متطوّعة ومتطوّعاً

بقلم لوسي بارسخيان،

عندما توحّدت قبل ثلاث سنوات جهود مجموعة من متطوّعات ومتطوّعين زحليين ينشطون في خمس جمعيات خيرية مختلفة، من أجل تأمين أطباق يومية لأشخاص وعائلات هم من الأكثر فقراً في زحلة ومحيطها، لم يخطر حتى لهؤلاء أنّ عمر الأزمة التي بدأت في سنة 2019 ستطول، وأن عمل الخير الذي إنطلقوا به سيتحوّل مسؤولية تحتّم توفير ظروف استدامته، خصوصاً في ظلّ أوضاع إقتصادية أعدمت الطبقة المتوسطة، فانضمّت جماعات منها الى فئة الأكثر هشاشة في مجتمعاتهم.

وهكذا صار «الطبق اليومي» للفقراء خدمة تتولّاها أكثر من جهة في زحلة. وقدّر عدد الوجبات التي قدّمها تجمّع الجمعيات الخيرية خلال ثلاث سنوات بـ245 ألف وجبة إستفادت منها حتى الآن 700 عائلة.

وإليهم تضاف أيضاً الوجبات اليومية التي تقدّمها «طاولة يوحنا الرحيم»، وقد أسّسها مطران الكاثوليك السابق عصام درويش، وأعاد المطران إبرهيم إبرهيم إفتتاحها أمام المحتاجين في مدينة زحلة وجوارها، وهي اليوم تؤمّن طبقاً ساخناً لنحو ألف شخص يومياً. هذا بالإضافة الى وجبات مموّلة من خيّرين، وإلى ما تقدمه جمعية مار منصور دي بول. وبالإضافة الى ما ولد بين إتحاد الجمعيات الزحلية ومطعم Saint Nicolas التابع لجمعية السامري الشفوق من تعاون، شارك الناس في العطاء من خلال تكفّل كلّ من يأكل طبقاً في مطعم سان نيكولاس بطبق، سيقدم في كل يوم أربعاء لواحد ممّن يتكفّل مطعم المحبة بوجبته ليومي الإثنين والجمعة من كل أسبوع.

يقول المهندس نديم حجار من إقليم كاريتاس زحلة، احدى الجمعيات المنضوية في الإتحاد: «المهم الا يجوع أحدٌ، وتحفظ كرامة أهلنا في المدينة، وتبقى زحلة مرفوعة الرأس».

لا شك أن تداعيات التدهور المعيشي الذي أصاب معظم اللبنانيين كبيرة جداً. ولكن في الأزمة تظهر أيضاً خامات الناس. والزحليون أظهروا تأصّل روح العونة والتضامن في ما بينهم على أكثر من صعيد. اذ بات للجمعيات الخيرية، في تعاونها في ما بينها، وأيضاً مع بلدية زحلة، ومع اللجان التي ولّدتها الأزمة لتأمين شتى أنواع الدعم، بالإضافة الى مدّ يد العون من أندية الإغتراب الزحلي، وبعض المغتربين الخيّرين، فضل في تأمين صمود جزء من المجتمعات الهشّة في المدينة ومحيطها. ولكنها أيضاً ألقت مسؤوليات كبيرة على عاتق هذه الجمعيات ومتطوّعيها، بحيث بات التراجع عمّا بدأته صعباً جداً، خصوصاً أنّ هناك عائلات وأفراداً باتوا يعتمدون بشكل أساسي على هذه المساعدات.

ولعلّ هذا ما جعل مبادرة ظرفية أطلقها مغترب زحلي، كان مجهولاً حينها، لمدة ثلاثة أشهر فقط، تتمدّد لثلاث سنوات، حفلت خلالها المسيرة بخطوات أمّنت إستدامتها حتى الآن.

فقبل أن يعيد متطوّعو الجمعيات المتّحدة، وهي «بيت عذراء الفقراء»، إقليم كاريتاس زحلة، «عائلة مار شربل»، «المنسيين»، وسيدات «مطعم المحبة»، تشغيل «مطعم المحبة» الذي أسّسه مطران الموارنة الراحل جورج إسكندر، ويستعيدوا في مطبخه رائحة الأطباق التي تخرج منه موضبة، ليتمّ توزيعها على المستفيدين في منازلهم، كانت هذه الأطباق تخرج من مطعم «فقرا كايترينغ».

بدأت المبادرة ترجمة لرغبة شخصية من قبل صاحب المطعم نبيل الشرتوني، الذي تعرّف إليه من تعاونوا معه لاحقاً. فكانت هذه الأطباق تصل إلى زحلة موضبة داخل سيارة مبرّدة تكفّلت بنفقاتها بلدية زحلة، ليتولاها من باحة مطرانية زحلة المارونية مجموعة من المتطوّعات والمتطوّعين في الجمعيات التي وحّدتها المبادرة، وينطلقوا بسياراتهم الخاصة لتوزيع هذه الاطباق بناء لخطة عمل أمّنت وصولها طازجة الى المنازل.

في كل مرّة كانت تشارف فيها مدّة المبادرة على الإنتهاء يجري تجديدها، بناء لاستمرار تدهور الأوضاع الإقتصادية، ولكن أيضاً «لما لمسه الواهب من همّة ونشاط لدى الفريق» كما يقول نديم الحجار. إلى أن أصبح عمر المبادرة التي انطلقت في 25 ايار 2020 ثلاث سنوات اليوم.

600 ألف دولار هي قيمة الأطباق التي وزّعها الإتحاد حتى الآن، وهي تشمل المرحلة التي انتقل فيها إعداد الطعام الى مطعم المحبة في زحلة، بعد فترة إنقطاع بسيطة، حرص خلالها المتطوّعون على تقاسم طبخات منازلهم الخاصة مع الأكثر فقرا من بين الذين إعتادوا على التردد لمنازلهم. فهؤلاء صاروا بالنسبة لهم بمثابة عائلة.

في المقابل لم يكن قرار الإنتقال الى تأمين الطبق على مسؤولية الجمعيات الزحلية واتحادها سهلاً. ومع ذلك باشرت مبادرتها بدعم من المطران جوزف معوض الذي فتح المطعم أمام الجمعيات. وبتغطية مالية من جمعية CJC، مكّنت المطعم بداية من تأمين 80 طبقاً يومياً وزّع على من هم أكثر هشاشة في المدينة. الى أن بات حالياً يؤمّن الطبق لـ370 شخصاً بمزيد من الدعم المالي الذي قدّمه الشرتوني.

في كل هذه الفترة كان هناك فريق من المتطّوعين، كبر حجمه ليبلغ حالياً 156 متطوّعة ومتطوّعاً يتوزّعون المهمّات على مختلف الصعد، ويكرّسون وقتهم وجهدهم لتحقيق الهدف الذي نشأت لأجله المبادرة ، بعدما إنطلقت قبل ثلاث سنوات مع 16 متطوعاً فقط. والى هؤلاء كان الشكر الأكبر خلال مأدبة غداء أعدّت في مطعم المحبة على شرف المستفيدين، المتطوعين والواهبين لمناسبة بلوغ المبادرة سنتها الثالثة، والشكر معطوف على سائر المتطوعين في شتى المبادرات.

Exit mobile version