خطّ رأس بعلبك – الهرمل: 26 معبراً على 36 كيلومتراً… أهمها “حوش السيد علي

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،

عند سلوك الطرقات الجبلية التي تربط بين عكار ومنطقة الهرمل، لا مفر من التوقف على حواجز عسكرية إستُحدثت منذ سنوات قليلة لإعاقة عملية تهريب السيارات المسروقة والمهرّبة نحو سوريا أو البضائع في الإتجاه المعاكس. ليتبين لاحقاً لدى الوصول إلى قرى الهرمل الحدودية، أنّ تعميم استراتيجية تجهيز الحواجز المتقدمة في المناطق الحدودية بعارضات حديد، كان مقصوداً بهدف الحدّ من حركة المهربين عبر المعابر غير الشرعية في هذه القرى، وخصوصاً تلك التي تتداخل أراضيها بين لبنان وسوريا، أو تلك التي يقطنها لبنانيون بينما هي متواجدة جغرافياً ضمن الأراضي السورية.

وهكذا يتحوّل كل حاجز عسكري في هذه القرى معبراً حدودياً، يدقق في هويات الداخلين والخارجين، ولا يُسمح بعبوره سوى لسكان هذه القرى أو ضيوفهم، وبالتالي يمنع سلوك الحافلات والشاحنات المحملة بالبضائع في الإتجاهين.

ومع ذلك لا يمكن القول إنّ هذه الإجراءات كافية وحدها لشل حركة المعابر غير الشرعية في هذه المنطقة. وليس ذلك فقط بسبب إتساع رقعة إمتدادها على مسافة 36 كلم تبدأ في منطقة المشرفة شرقاً وتنتهي في حوش السيد علي – مطربا – والقصر غرباً، وإنما لكون هذه المعابر في منطقة الهرمل، هي أيضاً ابنة بيئتها. والبيئة التي نتحدث عنها هنا، ذاع صيت بعض ناسها بإرتكابات العصابات التي امتهنت شتى أنواع المخالفات والجرائم، من الخطف والإتجار بالبشر، إلى سرقة السيارات، والإتجار بالمخدرات، وحتى القتل والإعتداء على الجيش أحياناً. وبالتالي فإنّ هذه المعابر غير الشرعية هي البوابة التي كانت توصل «الطفار» وارتكاباتهم إلى بر الأمان على الطرف السوري من الحدود.

أوتوستراد بعرض 36 كيلومتراً

لدى التوقف قليلاً عند طول مسافة التهريب الأبرز في هذه المنطقة بالمقابل، تظهر الـ36 كيلومتراً التي تفصل بين المشرفة وحوش السيد علي، كـ»أوتوستراد» واسع بعرض 36 كيلومتراً، كل متر منه مشرع على الطرف السوري من الحدود.

في حين تبدو الأمور أكثر إنضباطاً على المعابر المنتشرة في منطقة عرسال، والتي تشكل طبيعتها الجغرافية الجبلية، والمساحات الطويلة المتعرجة التي يتطلب سلوكها جهداً أكبر من المهربين، بالإضافة إلى الحضور العسكري «الشرعي» الواسع في هذه المنطقة منذ معركة فجر الجرود، عوامل إيجابية لمصلحة فوج الحدود الثاني الذي ينتشر في هذه الناحية من المناطق الحدودية أيضاً. وهذا ما ساهم في تراجع التهريب إلى حد كبير عبر معابر عرسال غير الشرعية. حتى لو لم تتوقف محاولات المهربين في إيجاد منافذ جديدة كلما تم ضبط أحد منافذهم.

معابر أكثر خطورة

أما الوظيفة الأخطر لهذه المعابر فتتركز في منطقة المشرفة – حوش السيد علي – مطربة – القصر. فالجزء الأكبر من المعابر غير الشرعية في هذه الناحية من الحدود، ينتشر في منطقة راس بعلبك – الهرمل. علماً أنّ إجمالي عدد هذه المعابر يبلغ نحو 26 معبراً، ساهم تواجد 17 منها داخل الأراضي اللبنانية بتفكيك بنيتها التحتية، والتي كانت تتضمن عند معابر الهرمل تحديداً، «قبابين» لقياس أوزان الحمولات المهربة، وجسوراً تسهل حركة الإنتقال حتى بالنسبة للشاحنات الكبيرة، فيتقاضي المهربون المسيطرون عليها رسوم سلوكها، بحيث يكرر البعض عند إستفحال «تجارة الحدود» عبارة «نيال من إلو معبر بالهرمل».

ومن ضمن الإجراءات التي اتخذت عسكرياً تجاه هذه المعابر كان هدم الجسور غير الشرعية التي بنيت فوق سواقي المياه والتي كانت تساعدها على الإلتفاف على حواجز الجيش المستحدثة في المنطقة. لتبقى هناك 9 معابر أخرى تسيطر عليها عصابات تهريب لبنانية – سورية، ولكنها تقع داخل الأراضي السورية ويبدو تعطيل دورها أكثر صعوبة.

طبيعة المناطق

ولمعرفة وظيفة هذه المعابر نتوقف عند طبيعة هذه المنطقة الحدودية، والتي تقسم إلى قسمين: منطقة المشرفة التي تتميّز بأنها سهليّة واسعة، تضم بقعة مُتنازع عليها، تكثر فيها الطرق الزراعيّة التي تخرق الحدود والتي يستخدمها المزارعون لتصريف محاصيلهم في أراضيهم الواقعة خارج الحدود أو داخل المناطق المُتنازع عليها. وغرب بلدة حوش السيد علي التي تضم بلدة القصر ومطربة، وهي منطقة سكنية واسعة تتميّز بأنّها مُتداخلة جغرافيّاً، حيث يقطنها لبنانيّون لديهم أيضاً مزارع وحقول داخل الأراضي السورية ويقومون بتصريف إنتاجهم إلى داخل الأراضي اللبنانيّة.

إتخذ التهريب على قسمي هذه المنطقة الحدودية طابعاً «عصابتياً» بمعظم أوجهه، يتخطى محاولات التهريب الفردية «الطبيعية» لأهالي البلدات الحدودية عموماً.

ففي بلدة المشرفة المحاذية لمشاريع القاع مثلاً هدم الجيش قبل فترة منازل كانت تستخدم كوكر للتهريب، ومن ثم ألقي القبض على أحد أبرز المهربين بتهمة التعدي على الجيش، فيما قتل مهرب آخر داخل الأراضي السورية، فتراجعت حركة التهريب إلى حد بعيد في هذه المنطقة.

إلا أنه على رغم كون حدود هذه المنطقة مرسمة بواسطة سواتر ترابية تفصل بين الأراضي اللبنانية والأراضي السورية، فإنّ التداخل في الأراضي لا يزال يسمح بنشاط حركة تهريب الأشخاص عبرها، خصوصاً أنّ الأراضي الزراعية في هذه المنطقة مرتبطة ببعضها البعض داخلياً عبر ما يعرف بمنطقة مشاريع القاع. وهي منطقة إجتاحها النازحون السوريون الذين كانوا يعملون في حقولها سابقاً، وأقاموا فيها مخيماتهم بمحاذاة الحدود مباشرة، ليتحول بعضها وكراً لتمرير البضائع وتهريب الأشخاص. والسلوك نحو منطقة المشاريع الآهلة بالسكان من المناطق الجردية، متاح بواسطة سيارات رباعيّة الدفع أو شاحنات صغيرة. وبمجرّد دخولها الأراضي اللبنانيّة يمكنها إعتماد مسالك داخليّة تؤدّي إلى الأعماق اللبنانيّة.

Exit mobile version