الأضحى في بعلبك عودة إلى التقاليد و”سُنّة النحر”

بتفاؤلٍ، وبروح يملأها التحدّي، يصرّ أهالي بعلبك على مواجهة ظروف البلاد الصعبة، وعلى تزيين أيّامهم المقبلة، خصوصاً عيد الأضحى، بشيء من الفرح والتقليد، على الرغم من التغييرات والتحوّلات التي طرأت على المجتمع البعلبكي في السنوات الأخيرة؛ لذا باشروا التحضير لما يُسمّى إحياء “سُنَّة النّحر”، أي “الأضحية من خراف أو ماعز”.
 
كثيرون سعداء بقدوم العيد كمحطة اجتماعية واحتفالية، وكتراث دينيّ يميّزه اجتماع العائلة في منزل كبيرها لإحياء “سنّة النحر”، وذكرى امتثال النبي إبراهيم عليه السلام أمر ربّه لتقديم ولده قرباناً. ثم تقوم العائلة بتوزيع أجزاء الأضحية من الغنم أو الماعز لمن يحتاجها ولمن لا يحتاجها، سواء على سبيل الصّدقة أو صلةً للرحم.
 
هكذا، قبل العيد بيومين، تشهد مزارع الأضاحي في بعلبك إقبالاً كبيراً من الأهالي والمقيمين، الذين يحرصون على شراء ما يناسب قدراتهم المالية، على الرغم من ارتفاع أسعار المواشي في الموسم لأسباب كثيرة، إذ يتراوح سعر الخروف الصغير ما بين 180 دولاراً و300 دولار.
 
في إحدى مزارع الأغنام في المدينة، التقينا الطفلة مارو (11 سنة)، وشقيقها رامز (6 سنوات)، وهما يُميّزان الأكباش ذات القرون الكبيرة والدائريّة، وإلى جانبهما والدتهما السيدة سيرين قانصوه، التي روت لـ”النهار” أن طفلتها “مارو” رغبت إلى أبيها بشراء خروف العيد بدلاً من الثياب، “ففرحة العيد لا تتطلّب الكثير من المستحيلات، فالأشياء الصغيرة تسعدهم. للعيد أهميّة روحيّة ودينيّة، ولن أحرم أولادي من فرصة الاحتفال مهما كانت الظروف قاسية”.

الارتفاع الجنوني في الأسعار لم يمنع الأستاذ علي الجمال من الاحتفال مؤكّداً أن الأضحيّة غابت عن منزله ثلاث سنوات بسبب الظروف الاقتصادية، لكنّه لن يتخلّف في هذه السنة عن إحياء السنّة وتقديم أضحية، مشدّداً على عظمة عيد الأضحى وروحانيّته، التي “يجب أن نعيشها في جوّ من الفرح والسعادة مهما كانت الظروف”.
 
ونظراً لمحدوديّة الدّخل وارتفاع أسعار الأغنام مع اقتراب العيد، يقوم العديد من الخيّرين بتوفير ثمن الأضاحي للأسر الفقيرة والمحتاجة، فيما درج آخرون على تربية الأضاحي فترة حتى يوم العيد، مثلما هي حال السيدة سميرة شرف، التي تعتقد بأن وجود كبش في المنزل يجلب البركة، ويحمي الأسرة من الحسد.

ولأن عيد الأضحى له روحانيته ومعناه الأرقى التجرّد من الماديّات الدنيويّة، عملت الجمعية اللبنانية للدراسات والتدريب على منح العديد من المتطوّعين فرصة الانصراف إلى العمل الخيريّ من خلال الاهتمام بمدافن المدينة (المقابر)، حيث يزورها الناس تقليدياً بعد صلاة العيد، فيكرّسون العادات، ويشدّون أواصر القربى، ويتصدّقون عن أرواح موتاهم مالاً وطعاماً.
 
المهندس قصي عثمان (35 عاماً) يرى أن فرحة عيده تكون عارمة عندما يجول صباحاً، بعد أداء الصلاة، على مساجد المدينة ليفوز بما لذّ وطاب من حلوى وكعك العيد المرتّبة عند أبواب المساجد كافة، لافتاً إلى أن الظروف الاقتصاديّة الأخيرة لم تؤثر كثيراً في هذا التقليد.
 
لكن التقليد لا يلغي التطور، الذي يأتي في أحيان كثيرة منسجماً مع روحية العيد. ففي هذا العام، شهدت مدينة الشمس مشاركة أكثر من 700 طفل في وضع مجسّم للكعبة المشرّفة والمشاعر المقدّسة في باحة الجامع الأموي الكبير، بمبادرة من “مراكز تحفيظ القرآن” في المدينة، وبرعاية دار الفتوى في محافظة بعلبك – الهرمل، حيث حاكى الأطفال أعمال الحجّ كافة.

في الموازاة، يأسف المؤرخ د. حسن عباس نصرالله لاختفاء عادتين ميّزتا أبناء مدينة بعلبك.
الأولى: مشهد الأهالي كباراً وصغاراً يتعاونون في صنع الكعك؛ والثانية: التحدّي بالحفر، وهو عبارة عن منافسة بين الجيران في حفر كلّ شخص حفرة أمام منزل جاره.
  
قد تشتدّ ظروف البلاد والعباد، لكن الحياة ستستمرّ، والفطرة تبقى متطلّبة، والفرح في النفس أصيل، والخير عميم، ولن ننسى أن رحمة الله وسِعت كل شيء.
 

لينا اسماعيل
“النهار”

Exit mobile version