كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
فوضى عبثية غير مسبوقة في البناء من دون أدنى مقوّمات التنظيم، تسيطر على محافظة بعلبك الهرمل. آلاف الوحدات السكنية شيّدت على مرأى من الدولة والقوى الأمنية، وحسرة البلديات التي لا تتقاضى بدلاً عن رخص البناء. وحدها الفوضى هي الحكم والمرجع في أزمة فصولها لا تنتهي.
أكثر من سنتين والبناء على أشدّه في أرجاء مدينة بعلبك وعلى امتداد المحافظة، وكأنّ الناس في سباقٍ مع الزمن. الكلّ يسعى إلى اقتناص الفرصة قبل أن تعود الأمور الى السكة الصحيحة، وتقف الدولة على قدميها من جديد. سنوات اختلط فيها الحابل بالنابل، كانت كفيلة بتغيير معالم المدينة بأكملها، حيث المشهد أشبه بانتقام المواطنين من الدولة ومن قرار منع البناء الذي كان سائداً منذ عام 2015. تشكو بعلبك منذ سنوات من منع البناء بقرار من وزراء الداخلية المتعاقبين، إذ منعت البلديات من منح التراخيص بتشييد مبنى لا تتجاوز مساحته 150 متراً، تعطى لأصحاب الأراضي غير المفروزة، كون بعلبك الهرمل تعاني من مشكلة الضم والفرز، ونسبة الأراضي المفروزة فيها لا تتجاوز العشرين في المئة من مساحتها الإجمالية، ويحصل أصحابها على تراخيص من التنظيم المدني، ومع توقف البناء وتراخيص البلديات منذ عام 2015، كبرت المشكلة من دون حلول.
تختلف مشهدية البناء منذ 2015 حتى 2020 في المحافظة بأكملها، عن المشهد منذ سنتين، فمشهد الأمس كان يقتصر على طموح البعض في تشييد مبنى ليؤسس عائلة ويتزوج، أو يؤجّره ليعود عليه بالمردود المالي، ومن خلف البناء تحريك العجلة الإقتصادية لمختلف القطاعات والعمال، ما أدّى حيناً إلى مواجهات بين القوى الأمنية التي تقمع المخالفات والأهالي، أو إطلاق نارٍ على فصيلة قوى الأمن الداخلي في بعلبك، وكل ذلك لم يمنع من ضبط الأمور وتشريع الفوضى رغم الشوائب التي كانت تعتري تلك المرحلة من رشاوى وسمسرات لتمرير سطح من هنا أو مخالفة من هناك.
أما المشهد الحالي ومنذ سنتين حتى اليوم فتحوطه الفوضى: مبانٍ مشيدة وأخرى قيد التشييد، أسطح بنيت فوق الطبقات العليا، مخالفات على الطريق العام وعلى مدخل مدينة بعلبك، منازل في مناطق تصنّف على أنها أثرية ويمنع فيها البناء، محال وسط سوق بعلبك وعلى امتداد مدخل المدينة الجنوبي، إضافة إلى وضع اليد على المشاعات والبناء عليها. أكثر من عشرة آلاف وحدة سكنية بنيت خلال هاتين السنتين.
وذكرت مصادر متابعة لـ»نداء الوطن» أنّ «ما يحصل في مدينة بعلبك تحديداً لناحية الفوضى المستشرية في قطاع البناء لا يمكن تجاهله والسكوت عنه، فقد تغيّرت معالم المدينة، لأن البناء يشيّد في أماكن ممنوعة، وقريبة من قلعة بعلبك، وعند مدخلها حيث يفترض أن يحدّد فيه إرتفاع الطبقات والمساحات، وغيرها من الأماكن التي استغل أصحابها الوضع القائم في البلاد وغياب الدولة لانشغالها في قضايا أخرى».
وتضيف المصادر «أن المسؤولية تقع على عاتق أكثر من جهة، فوزارة الداخلية تتحمّل جزءاً منها كونها منعت البلديات من اعطاء الرخص، وعليه حرمتها مردوداً مادياً يمكّنها من سداد مصاريفها من أجور عمال وموظفين وكلفة صيانة وغيرها، كذلك ستواجه البلديات مشكلة في تنظيم تلك المباني المشيدة كونها غير مدرجة في سجلّاتها، والدولة ايضاً ستواجه ذات المشكلة حيث تصبح تلك المنازل جاهزة للسكن وتحتاج الى كهرباء ومياه وغيرها، وبالتالي تحتاج الى تنظيم».
وحمّلت المصادر قوى الأمن المسؤولية «كونها كانت سابقاً تقمع المخالفات مهما كلّف الثمن، أمّا اليوم فهي تغضّ الطرف عنها، وحتى لو كانت مقابل الثكنة العسكرية، وهي تكتفي أحياناً بتنظيم محاضر ضبط وتحيلها الى المحكمة، حيث يدفع المخالف المبلغ المتوجّب، ويستكمل عمله رغم أن المحضر ينصّ على أنّ الورشة موقوفة ولا يمكن متابعة أعمال البناء فيها»، متوقفةً «عند ازدهار أحوال بعض العناصر في زمن القحط والأزمة المالية».
وختمت المصادر: «وجه بعلبك تغيّر كلّياً، وموضوع البناء شرّع الكثير من المخالفات التي تحتاج الى سنوات لإعادة تنظيمها، إضافة الى الفورة غير المسبوقة في البناء والتي لا بد من التوقف عندها، فسابقاً كان المواطن يستدين قرضاً من البنك قبل الأزمة للبناء، أمّا اليوم فهناك تبييض أموال وتغطية أعمال كثيرة تحت مسمّى البناء والإيجار، وكثيرون شيّدوا أبنية وتوقفوا عن استكمالها كون الفرصة لن تتكرر مرّتين».