كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،
في جولتها الثالثة لإتمام عملية المزايدة من أجل تلزيم قطاع البريد، إنتهت جلسة فض العروض التي إنعقدت صباح أمس في المديرية العامة للبريد، بقبول وزارة الإتصالات ومديرية البريد بالعرض الوحيد الذي قدّمه تحالف شركتي ميريت إنفست ش.م.ل. اللبنانية وشركة Colis Privé France المملوكتين من قبل شركة CMA CGM.
الشركة التي يرأس مجلس إدارتها الملياردير الفرنسي اللبناني الأصل رودولف سعادة، هي نفسها التي كانت قد تقدمت بالعرض الوحيد في الجولة السابقة من المزايدة، وكادت تلتزم قطاع البريد للسنوات التسع المقبلة، لولا إلغاء نتائج فوزها من قبل هيئة الشراء العام. وقد وثّقت الهيئة حينها مخالفات جوهرية في قبول عرضها من قبل وزارة الإتصالات، بعدما تبيّن لها أنّ «خبرة الشركة غير كافية للإيفاء بمتطلبات دفتر الشروط، كونها تعمل في نقل الطرود بين البائعين والمشترين عبر بوابات التجارة الالكترونية، ولا تملك أيّ خبرة في إدارة المرفق البريدي». بالإضافة إلى إعتراضها على العرض المالي الذي قدّم حينها أيضاً، والذي بني على تقاسم الأرباح بدلاً من الإيرادات.
مرت الأيام ودارت لتعود وزارة الإتصالات عبر مديرية البريد وتطرح المزايدة مجدداً، وإنما هذه المرة بدفتر شروط معدّل، فتح المنافسة على مؤسسات محلية تعنى بنقل «مواد المراسلات وأو لطرود وأو الطرود البريدية»، أسوة بالشركات التي تعنى بإدارة القطاعات البريدية»، فكان أن انطبقت الشروط هذه المرة أيضاً على تحالف ميريت إنفست ش.م.ل. اللبنانية وشركة Colis Privé France الذي غنم بفرصة جديدة للتقدم بعرضه، فإذا به يتفوق على منافسيه المحتملين بجهوزية أمّنت وصوله إلى جلسة التلزيم كعارض وحيد مجدداً.
إلا أن الجديد هذه المرة هو ما كشفه فتح المغلف الفني للعرض المقدم، عن إرفاق الخطة التشغيلية للعارض بمذكرة تفاهم مع شركة البريد الفرنسية La Poste، وفقاً للمعلومات التي توفرت من خلال جلسة فض العروض، والتي أشارت الى أن «مذكرة التفاهم هذه تضمنت ما يفيد بأنه إذا تمت ترسية العقد للإئتلاف، فإن LA POSTE مستعدة لدعم الشركة التي ستوفر الخدمات والمنتجات وأنها توافق على العمل كإستشاري للمشغل، وتزويد المشغل بالمساعدة التقنية والخدمات الإستشارية».
وهذا وفقاً للمعلومات ما عزز من فرص تأهيل التحالف، فاعتُبر «مستجيباً للمتطلبات الجوهرية المحددة في دفتر الشروط، سنداً للأحكام الواردة في قانون الشراء العام وفي دفتر الشروط العائد لأعمال تشغيل القطاع البريدي في لبنان».
دور LA POSTE
وأشاعت مشاركة LA POSTE ولو كإستشاري، جواً محدوداً من الإيجابية، بعد الأداء المشبوه الذي ساد فترة تقديم العروض المحددة بخمسة أسابيع فقط. إذ إنه على رغم إبداء هيئة الشراء العام ملاحظاتها على دفتر شروط المناقصة في معظم النقاشات التي دارت حوله قبل صدوره بصيغته النهائية، فإنها رأت حينها فرصة لتعزيز المنافسة بين أكثر من شركة راغبة بإلتزام هذا القطاع، من خلال تعديل الشروط الذي سمح بإشراك مؤسسات محلية الى جانب المؤسسات التي تعنى بقطاع البريد عالمياً.
إلّا أن هذا ما لم يتحقق على ما تبيّن خلال جلسة فض العروض يوم أمس. فمع أن دفتر الشروط كان قد تمّ شراؤه بحسب المعلومات، من جانب ثلاث شركات أخرى الى جانب الشركة العارضة، هي شركة غانا بوست، شركة سي كوم هولدينغ وشركة تراست ترايدينغ، إلا أنّ هذه الشركات اختفت من المزايدة، علماً أن «غانا بوست» شاركت الى جانب «ميريت إنفست» في الزيارة الميدانية الى مواقع العمل، وحصلت على شهادة بذلك، وبالتالي كانت من الشركات المؤهلة للمشاركة بالمناقصة وفقاً لدفتر الشروط.
إلا أن وزارة الإتصالات لم تجد في غياب المنافسة سبباً أساسياً لتمديد المهل المعطاة أو البحث في شروطها الموضوعة، وفي الملاحظات التي سجّلها من أبدوا إهتماماً بالمزايدة. بل تمسكت بموعد الجلسة المحدد صباح يوم الثلاثاء في 12 تموز، مع أن تمديد المهل كان يمكن أن يخلق حماساً أكبر لعروض متنوعة كانت تتوفر فرص تقديمها.
«بريد مصر»
وبحسب المعلومات كان هناك على الأقل حماس معلن من قبل «شركة البريد المصري» للمشاركة بالمزايدة، وذلك بما يشكل سابقة بالنسبة لهذه الشركة التي لم يسبق لها أن شاركت في تلزيمات مماثلة خارج الأراضي المصرية. إلا أنه بسبب معرفتها المتأخرة بالمزايدة فهي لم تتمكن من سحب دفتر الشروط وإعداد ملفها في الوقت المناسب. وبحسب المعلومات فقد بحث بتمديد مهل تقديم العروض مع الوزارة من قبل السفارة المصرية في لبنان، والتي أبدت إهتماماً بنقل خبرة بلدها العالمية في إدارة البريد الى لبنان.
وبحسب ما أكدت مصادر ديبلوماسية فإن الإتصالات بقيت مفتوحة من قبل السفارة المصرية مع وزارة الإتصالات حتى الساعات الأخيرة التي سبقت جلسة فض العروض لحثها على تمديد فترة تقديم العروض، إلا أن الوزارة لم تقدم للسفارة المصرية أي جواب على طلبها، لتأتي الإجابة صباح يوم الثلاثاء بإنعقاد جلسة فض العروض.
هذا مع العلم أنّه وفقاً للمعلومات أيضاً فإنّ شركة «بريد مصر» كانت تتوجّه عبر وكلائها لشراء دفتر الشروط قبل 24 ساعة من موعد فض العروض، وتتواصل عبر قنواتها مع مديرية البريد لحثها على فتح المجال أمامها للمشاركة بالمزايدة، عبر تمديد المهل، إلا أنه بمقابل ترحيب المدير العام بإستحصال «بريد مصر» على دفتر الشروط، رفض بحث أي تمديد أو تأجيل لجلسة فض العروض.
هذا في وقت إعتبرت المصادر المتابعة أن عدم إجتهاد الوزارة ومديرية البريد في توسيع دائرة الإعلان عن المزايدة، نزولاً عند توصية هيئة الشراء العام، كان عاملاً أساسياً في إبعاد الشركات البريدية العالمية عن هذه المزايدة. فبينما دعت الهيئة الى الإعلان الواسع عن المزايدة بما يعزز الإتيان بشركات تشغيل البريد العالمية، وتعميم المعرفة حولها من خلال السفارات اللبنانية في الخارج، والمواقع الإلكترونية وصحف عالمية متخصصة، إجتزأت الوزارة تطبيق هذه التوصية مثل تجاهلها لتوصية إعطاء العارضين المهلة الكافية لتحضير عروضهم، وإختارت الإعلان عن المزايدة في مؤسسات إعلامية محلية، إلى جانب إرسال كتاب إجراء المناقصة الى كل من وزير الخارجية والمغتربين ووزير الإعلام.
وكان الإصرار على ربط مصداقية الدولة بإجراء المزايدة في أوانها قد برز أيضاً من قبل مدير عام البريد محمد يوسف في معرض رده على شركة Trust Trading التي اشترت دفتر الشروط، وسجّلت ملاحظاتها وإعتراضاتها عليه، مطالبة بمهلة إضافية لتقديم العروض. حيث جاء جواب يوسف على الشركة أن الوزارة لا «ترى لزوماً لإعطاء مهلة إضافية حفاظاً على مصداقية الدولة ووزارة الإتصالات، كون جميع النقاط المثارة من قبل الشركة سطحية، ولا تمت الى جوهر المزايدة بشيء».
ملاحظات
هذا مع العلم أنه في الملاحظات التي سجلتها Trust Trading ما يتعلق برأسمال الشركة المطلوب تأسيسها، وبمعايير التقييم والكفاءة. كما أنها إعترضت «على عدم ملاءمة المهلة الممنوحة من قبل الجهة الشارية للمتطلبات الموضوعة في دفتر الشروط»، معتبرة أن «الشروط المدرجة تستلزم ثلاثة أشهر على الاقل لتجهيز الوثائق والمستندات، وإستكمال العرض بصيغته النهائية، بينما المهلة الممنوحة من قبل الوزارة هي خمسة أسابيع فقط».
في المقابل جوبهت التوصيات المكررة من قبل هيئة الشراء العام لتمديد المهل بالتجاهل. وذلك بعدما كانت مصادرها قد كشفت لـ»نداء الوطن» خلال تقرير سابق، أنه في حال تبيّن أن هناك شركة راغبة بالإستثمار في هذا القطاع، وتحتاج الى مزيد من الوقت لبناء قاعدة معلوماتها حول هذا القطاع، موجوداته وإمكانياته، وغيرها من المعلومات التي تسمح لها بتقديم عرض جدي، ستوصي بتمديد المهل.
كل هذه العوامل إجتمعت وفقاً للمتابعين مع دفتر شروط «غير واضح» لنصل الى جلسة فض العروض مع عارض واحد مجدداً، تكمن المفارقة أن من قدمه هي الشركة نفسها التي أظهرت وزارة الإتصالات في المرة الأولى تخاذلاً في دراسة عروضها الفنية والمالية بشكل دقيق، وكادت تلزّمها القطاع لتسع سنوات، لتتشارك معها الأرباح بدلاً من الإيرادات، لولا إعتراض هيئة الشراء العام وتغييرها النهاية السعيدة لما وصفه وزير الإتصالات بـ»قصة نجاح» حينها.
وربما يكون مفيداً أيضاً التذكير بأن مالكة تحالف ميريت إنفست ش.م.ل. وشركة Colis Privé France هي أيضاً الشركة نفسها التي إلتزمت تشغيل مرفأ بيروت، وقد تبين سابقاً أنها تضم في كادرها الإداري مدراء شغّلوا مراكز مسؤولة سابقاً في مجموعة سارادار، وهي المجموعة التي تملك أسهم ليبان بوست حالياً. وهذه الصدف وفقا للمتابعين كفيلة بإثارة الشكوك حول ما إذا كان تقدم تحالف ميريت إنفست و Colis Privé France بالعرض الوحيد، صدفة مكررة فقط، أم هو يقع من ضمن أداء مستمر يمعن في إفقاد الدولة مصداقيتها.
ومع ذلك إنتهت جلسة فض عروض تلزيم البريد أمس بقبول العرض الوحيد مجدداً، وذلك بعد ساعات من إنعقاد الجلسة في الساعة التاسعة والنصف صباحاً، ليحال ملفها إلى هيئة الشراء العام التي يرتقب أن تعكف على دراسته، فتبدي رأيها الذي سيكون ملزماً بشكل أكبر، فإما يسمح تقريرها بالسير بالإلتزام، أو يدخل القطاع في دوامة إعادة المزايدة مجدداً.