ملحم زين “ممنونك أنا… عالصوت ممنونك”

كتب داني حداد في موقع mtv: 

جميلٌ أن نبتعد عن السياسة قليلاً. ملحم زين يستحقّ. رؤيته يغنّي في قلعة بعلبك مغرية. وكم بهيّة هي القلعة ليلاً، مضاءة. حبّذا لو يهتمّ المعنيّون بالقلعة ومحيطها أكثر. ثروة تاريخيّة وحضاريّة. فلنكن متحضّرين أكثر ونبقيها نظيفة، مستحِقّة للزيارة في الأوقاتِ كلّها. 

نعود الى ملحم زين. وقفته “ع دراج بعلبك” تكريم. وقد اختار أن يطلّ بأغنيةٍ للجيش. زوجة القائد في مقدّمة الحضور، والسياسيّون غائبون. “أرْيَح”. وحده صوت ملحم نجم السهرة. لا تنافسه الا ابتسامته التي تحضر، فتعبّر عن طيبةٍ في القلب وفرحٍ ينقله الى الجمهور الذي أمضى أكثر من نصف الحفلة واقفاً، راقصاً، هاتفاً، وكاميرات الهواتف في الأعالي. يستحقّ ملحم كلّ جيغابايت صُرف لنقل إحساسه، وتفاعله مع الكلمة واللحن، من دون استعراضاتٍ لا في الصوت ولا في الحركة. ترك الأمر الى فرقة الدبكة التي دخلت، بدايةً، مع أغنية “غيبي يا شمس غيبي”. وحدها حجار القلعة لم ترقص. أو ربما تمايلت قليلاً، كخصور بعضهنّ.
المدهش في ملحم زين أنّه يشعلك وهو هادئ. في صوته دفء غريب، وفي أدائه تقنيّات غير مفتعلة. يفعل الكثير بجهدٍ قليل. ليس سهلاً أن يدفع الصفّ الأول، بمقاماته، الى الوقوف والرقص. حتى منى الهراوي دبكت.
وفي أغنية “ضلّي اضحكي” سحرٌ خاص. هل من أحنّ من قول رجلٍ لامرأة “عيونك ما خلقت للبكي… بحطّك ع جرحي بيطيب”؟ في صوت ملحم بعض دواء لأمراضنا اللبنانيّة، وما أكثرها. كمسكّنٍ كان في سهرة الجمعة البعلبكيّة. ينعش ليلةً حارّة من تمّوز. يليق أن تستيقظ عليه وتغفو عليه، وكم جميل حين يتسلّل الى أذنك التي اعتادت في هذه الأيّام أصوات النشاز، والسياسيّون ينافسون المغنّين، ويتفوّقون.
والجميل في ملحم أنّه يغنّي “وبسّ”. لا يحضر اسمه في مشاكل ما يُعرف بـ “الوسط الفنّي”. “أبو علي”، ولكنّه مسالم. وكم يصبح ساحراً مع رائعة وديع الصافي “الليل يا ليلى”. ولا نعاتب ملحم، بل نقول “الحبّ لا تحلو نسائمه” إلا مع صوتك.
واستعاد ملحم وديع مراراً. ذكّرنا به. وذكّرنا بـ “ملحمٍ” آخر، “أبو مجد”. وقد بدا، في سهرة أمس، حاملاً مجد الأغنية اللبنانيّة. وغنّى “خلّيك يا ابني عالوطن سهران”، والوطن بلا رئيسٍ “يا ابني”، والساهرون على مصالحهم أكثر من الساهرين عليه. 
“تعوّدنا” نكاد نقول، لكنّ الأجمل أن نعتاد على المهرجانات، وعلى الأصوات اللبنانيّة الصافية، كربيعٍ، وعلى البهجة التي تعيشها مناطق لبنانيّة كثيرة تعاند الأزمات بالفرحة، والجَمعة والـ “أهلا وسهلا” و”تفضّلوا” و”الليلة وين السهرة؟”، وتلك العبارات التي تختصر بعضاً من لبنان الذي نتمسّك به، كطفلٍ يخشى أهله أن يفقدوه.

يشغلنا الوطن دوماً. لكنّ ملحم زين يغنّي “نامي عالهدا نوم الطفل نامي، متل شي وردة عكتف سياج”. رائعة، بل ساحرة. ومثلها “ممنونك أنا عالبعد ممنونك، عم عيش بهنا يا حبيبي من دونك، هجرك ما ضيّعني انت اللي قلبك ضاع، ندمان شو يعني مطرح ما كنت ارجع”. وكيف السبيل الى الرَجعة، بعد هذا الصوت وهذه الأغنيات؟ 
والختام مع عباءةٍ بعلبكيّة قُدِّمت الى ملحم، كأنّها عباءة الزعامة يا “ريّس الأغنية اللبنانيّة”. ويودّع، غناءً، مع “علواه نرجع متل ما كنّا”. مشاهدة ملحم زين في بعلبك تشعرك، بقدر الغبطة، ببعض الحَرقة. “علواه نرجع متل ما كنّا”… في لبنان.

Exit mobile version