كتب عيسى يحيى في نداء الوطن،
وسط ضبابية المشهد السياسي العام، وعدم وضوح صورة الأيام المقبلة المترافقة مع عودة التلاعب بالدولار، تنقبض أنفاس البقاعيين مع بدء التحضير للعام الدراسي المقبل، الذي يتوقّع أن يكون الأصعب على جيوبهم مع دولرة الأقساط في المدارس الخاصة، وازدياد الطلب على المدارس الرسمية.
بدأ الهمّ الدراسي في بعلبك الهرمل باكراً، بعد أيامٍ على انتهاء الامتحانات الرسمية وما عاناه الأهل من تكاليف إضافية على أولادهم، فتلاميذ بعض المدارس الخاصة وإن أكملوا المنهاج الدراسي المقرّر، التحقوا بدورات قبل الامتحانات بشهر، كون الأساتذة كانوا يؤدّون واجباتهم على قدر رواتبهم ويدعون التلاميذ سرّاً إلى الالتحاق بها، وأغلب المعلّمين يدرّسون فيها. كذلك فإنّ تلاميذ المدارس الرسمية مجبرون على الخضوع لها، لتعويض ما فاتهم بسبب الإضرابات وامتناع أساتذتهم عن الحضور. وما بين الفئتين، طلابٌ لم يكن بمقدور آبائهم دفع التكاليف فاعتمدوا على أنفسهم أملاً في النجاح.
ما إن انتهى العام الدراسي أوائل حزيران الفائت حتى بدأت المدارس الخاصة في محافظة بعلبك الهرمل ترتيب جداول أقساطها للعام الدراسي المقبل، حيث يتصدّر الدولار النقدي القائمة، يضاف إليه جزء من القسط بالليرة اللبنانية، لكن الغلبة تبقى للأخضر الذي لن يقوى عليه ربّ عائلة، متوسّط راتبه لا يتجاوز المئة دولار شهرياً، فيما يرفع موظفو القطاع العام الصوت رغم رفع رواتبهم وضرب أساسها بثلاثة أضعاف يضاف إليها بدل النقل، لكن مجموعها لا يصل الى مئتي دولار. وتحت عنوان تكاليف تشغيلية وزيادة رواتب المعلمين، زادت المدارس الخاصة ونصف المجّانية أقساطها، كلٌّ منها حسب البيئة الموجودة فيها، والفئة الطبقية التي ينتمي إليها أهل التلاميذ، فيما غابت وزارة التربية التي خضعت العام الدراسي المنصرم لشروط تلك المدارس والزيادات التي فرضتها، لتعود هذا العام الى الرضوخ أكثر للزيادات الكبيرة من دون حسيبٍ أو رقيب.
لا تقلّ الزيادة التي أقرّتها المدارس الخاصة في البقاع على الأقساط عن 300 دولار للمرحلة الابتدائية والروضات، فيما تتراوح بين 500 و700 للمرحلتين المتوسطة والثانوية، تضاف اليها رسوم التسجيل وقد حدّدت حصراً بالدولار بين 50 و100، ناهيك بالقسم الذي قرّرت المدارس أن تستوفيه بالليرة اللبنانية، وفي حسبةٍ بسيطة يكلف الطالب هذا العام بين قسط مدرسي وكتب وأجرة نقل ما مجموعه ألف دولار، وهو رقم ليس بالسهل عند الكثير من العائلات التي بدأت تفكر مليّاً في كيفية تدبّر أمورها.
يُكثر الأهالي في بعلبك الهرمل هذه الأيام السؤال عن أقساط المدارس، ويخفّفون التنقّل للبحث عن أرخصها، يتداولون الأحاديث والاستفسارات والاتصالات عن تلك التي لا يزال قسطها محمولاً، فيما اتّخذ البعض القرار بنقل أولاده إلى المدارس الرسمية التي رفعت رسوم تسجيل طلابها لهذا العام، حيث بدأت تشهد الأخيرة إقبالاً على التسجيل بعد سحب الإفادات من المدارس الخاصة وتصديقها في دائرة التربية في المحافظة. وعليه، ستعاني المدارس الرسمية من الضغط وإقبال تلاميذ المدارس الخاصة الهاربين من نار الأقساط. ووفق المعطيات وأعداد التلاميذ مقارنة بعدد المدارس الرسمية في المحافظة، فإنها لن تستطيع استيعاب أعداد كبيرة منهم، خصوصاً أنّ قسماً منها لم يكن على قدر المسؤولية العام الماضي، وأقفل أبوابه لفترات طويلة، ولم يحصّل الطلاب سوى جزء قليل من المنهاج المقرّر. وعليه يضيع الأهالي بين غلاء الأقساط وهم غير قادرين على تحمّله، وبين غياب التعليم في المدارس الرسمية.
على مقلب الأهالي، بدأت الأصوات ترتفع معلنةً عدم القدرة على تحمّل الأقساط في ظلّ الرواتب التي يتقاضاها كثيرون. فأبناء بعلبك الهرمل بمعظمهم، يقول «ابراهيم» لـ»نداء الوطن» وهو المتقاعد من قوى الأمن الداخلي، هم موظفون رسميون أو متقاعدون من الجيش اللبناني والقوى الأمنية، أو لا يزالون ضمن الخدمة الفعلية، وفيما كانوا يعلّمون أولادهم سابقاً في المدارس الخاصة ويتقاضون من الدولة حوالي 70 في المئة بدل أقساط، توجّهوا منذ ثلاثة أعوام نحو التعليم الرسمي، فالمعاش الذي لا يتجاوز مئة وخمسين دولاراً لا يمكن من خلاله دفع القسط المدرسي، فضلاً عن الشتاء ومتطلّباته.
وأضاف: «المدارس الرسمية في المنطقة أصدرت نتائجها هذا العام وأقفلت الإدارات برنامج النتائج وأرسلته الى الوزارة، ما يعني أنّها منعت أي تعديل عليه وفتحت الباب أمام امتحانات الإكمال، غير مراعيةٍ الظروف التي مرّ بها العام الدراسي من إقفال وعدم تلقّي التلاميذ ما يكفي من المعلومات»، وناشد وزير التربية «التدخّل في سبيل حلّ هذه المشكلة التي يعانيها كثر مثله، إضافة إلى امتناع بعض مديري المدارس عن تسجيل الطلاب من دون أي سبب أو مسوّغٍ قانوني».
وفيما يبحث عدد كبير من البقاعيين عن سبل لتدبّر أمر العام الدراسي هذه السنة، كون النصف الآخر من الأهالي يعملون في التجارة أو يلتحق أبناؤهم بمدارس الأحزاب التي ينتمون اليها، يبقى أملهم في معجزةٍ تطيح كل الحواجز التي وضعت في طريق أولادهم، وتكاد تسرق منهم مستقبلهم إذا استمرّ الأمر على ما هو عليه.