“الإتصالات” تستعجل تلزيم البريد… بعد مناقصة “العارض الوحيد”

كتبت لوسي بارسخيان في نداء الوطن،

ما إن فرغت هيئة الشراء العام من وضع تقريرها التقني (الخميس الفائت) حول نتائج المزايدة التي أجرتها وزارة الإتصالات في 12 تموز الماضي لتلزيم قطاع البريد، حتى سارع وزير الإتصالات إلى طلب موافقة مجلس الوزراء على تفويضه بالتوقيع على مشروع العقد والمستندات التابعة له مع تحالف شركتي ميريت إنفست ش. م. ل. اللبنانية وشركة Colis Privé France، مدرجاً الطلب على جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء التي تنعقد يوم غد الخميس.

بدت وزارة الإتصالات إذاً مستعجلة لتوقيع العقد مع العارض الوحيد الذي تقدم للمزايدة وفاز بها، بصرف النظر عن القرار الذي سيتخذه ديوان المحاسبة حول هذا الملف. تماماً كالإستعجال الذي أظهرته الوزارة من خلال تمسّكها بالمهلة التي حدّدتها لتقديم العروض، متجاهلة الطلبات التي قدمت إليها بتمديد هذه المهل من قبل الشركات التي أبدت إهتماماً بهذه المزايدة، ولا سيما من قبل شركة «تراست ترايدينغ» التي كانت قد أبدت إهتماماً بالمزايدة من خلال سحب دفتر شروطها، ولكنها سجلت ملاحظات حول هذا الدفتر وطالبت «بمهلة إضافية لتقديم العروض»، خصوصاً أنّ «الشروط المدرجة»، وفقها، «تستلزم ثلاثة أشهر على الاقل لتجهيز الوثائق والمستندات، وإستكمال العرض بصيغته النهائية، بينما المهلة الممنوحة من قبل الوزارة هي خمسة أسابيع فقط». إلا أن المديرية العامة لم تستجب مع هذا الطلب.

مضمون هذه الشكوى، كما شكوى أخرى قدمتها شركة «غانا بوست» التي أبدت إهتماماً مشابهاً بالمزايدة، سجلا أيضاً لدى هيئة الشراء العام، مع العلم أنّ «غانا بوست» حاولت منع فض العروض، من خلال لجوئها إلى قضاء العجلة في مجلس شورى الدولة الذي رد الطلب لإنتفاء العجلة بعد فض العروض.

ذكّرت الهيئة في تقريرها الذي صدر حول صفقة البريد في المقابل أنّها طالبت بإعطاء العارضين المهلة الكافية لتحضير عروضهم، بالنظر إلى موضوع وحجم الصفقة. كما أنّها ضمّنت التقرير ملاحظاتها وتوصياتها لوزارة الإتصالات قبل إطلاق المناقصة في 6 حزيران الماضي، مدرجة إياها كنقاط ضعف نتيجة لعدم الأخذ بها في المزايدة المنجزة. إلا أنّ الهيئة لم تصدر أي توصية بقبول الإلتزام أو رفضه في تقريرها، خصوصاً أنّ العرض من الناحية التقنية جاء مطابقاً جوهرياً لدفتر شروط المزايدة.

وكانت وزارة الإتصالات قد عدلت دفتر شروط المزايدة، بعد جلسة التلزيم السابقة التي أجرتها. فسمحت بقبول «عارضين مرخص لهم، يكون نشاطهم الرئيسي نقل الطرود، وليس بالضرورة الخدمات البريدية». وفيما كان يفترض بهذا التعديل أن يعزز مبدأ المنافسة، فإنه لم يأت إلا لمصلحة التحالف نفسه الذي تقدّم بالعرض الوحيد في جلسة التلزيم الاخيرة، بعد أن كانت نتائج فوز هذا التحالف قد أبطلت من قبل هيئة الشراء العام لعدم مطابقة عرضه ومؤهلاتها مع دفتر الشروط السابق للمزايدة.

العقد مع عارض وحيد… إستثنائي

بحسب مصادر في هيئة الشراء العام، فإنّ الهيئة أرسلت إلى وزارة الإتصالات تقريرها التقني، ويعود للوزارة قرار توقيع العقد مع عارض وحيد تقدّم للمزايدة. إلّا ان الهيئة سجّلت في تقريرها أن «قرار التعاقد مع مقدم العرض الوحيد المقبول هو قرار إستثنائي جداً، يخرج عن مبدأ المنافسة، ولذلك حصر المشرع اللجوء إليه في ثلاث حالات محددة إشترط توافرها مجتمعة وفقاً للفقرة الرابعة من المادة 25 من قانون الشراء العام وهي، أولاً: أن تكون مبادئ وأحكام القانون مطبقة، والّا يكون العرض الوحيد ناتجاً عن شروط حصرية تضمنها دفتر الشروط الخاص بمشروع الشراء، ثانياً: أن تكون الحاجة أساسية وملحّة، والسعر منسجماً مع دراسة القيمة التقديرية. وثالثاً: أن يتضمن نشر قرار الجهة الشارية بقبول العرض الفائز «التلزيم المؤقت» نصاً صريحاً بتقدم العارض الوحيد المقبول ونيّة التعاقد معه. وفي هذا الإطار لفتت الهيئة أن الجهة الشارية إلتزمت بالشرط الثالث من خلال إشارتها بصراحة إلى نيتها التعاقد مع العارض الوحيد الفائز مؤقتاً، ولكنها لم تبين مدى توافر الشرطين السابقين في قبول العرض الوحيد.

تقرير هيئة الشراء العام الذي وضع بعدما انكبّ مدققون متخصصون على دراسة العرض لمدة اسبوع وفقاً للمعلومات، تضمن أيضاً عرضاً لمسار المزايدة وما لفه من شوائب. بدءاً من إجراء المزايدة السابقة التي انتهت إلى إلغاء نتائجها من قبل هيئة الشراء العام، مروراً بتعديل دفتر الشروط، مع التوقف عند الملاحظات التي سجلتها الهيئة على هذه التعديلات خلال مناقشته مع الوزارة، والتي لم يؤخذ بملاحظات جوهرية منها، وإنتهاءً بملاحظاتها على العرض المقدم من قبل الشركة الفائزة بالمزايدة الثانية.

وفي هذا الإطار خلصت الهيئة إلى أن «العرض الذي تقدم به التحالف مستجيب جوهرياً لدفتر الشروط، لا سيما لناحية تغطية الخطة التشغيلية لنطاق الخدمات المطلوبة في الدفتر، وإلحاق موظفي المشغل الحالي بالملتزم الجديد ضمن ذات الشروط والرواتب والمزايا، وإقتراح حصة تقاسم الإيرادات والتي حددت بـ12 بالمئة، بمقابل الحد الأدنى المحدد بحسب دفتر الشروط بـ10 بالمئة».

إلا أنّ التقرير توقف عند ما ذكره العرض الفني المقدم من التحالف عن مراجعات ودراسات إضافية سيجريها التحالف بغية تعديل الإقتراح التقني وإقتراح موازنة الإستثمار. فكان تأكيد من قبل الهيئة على وجوب أن يكون العرض المقدم من التحالف عرضاً نهائياً، وغير قابل للتعديل او للرجوع عنه، محذرة من أن تؤدي هذه التعديلات إلى إنحرافات عن أحكام دفتر الشروط الخاص بالمزايدة المقبولة، ولا سيما لناحية الإلتزام بمخطط تقاسم الإيرادات، تأمين الضمانات المالية، الإلتزام بالحد الأدنى للإستثمار، والإلتزام بتحقيق كافة الأهداف التطويرية الإستراتيجية المقترحة من قبل التحالف، والحلول التقنية والتشغيلية المنصوص عليها في خطة العمل.

هذه الملاحظات تفترض وفقاً للمصادر تعليل وزارة الإتصالات لقبول العرض والمضي بتوقيع العقد مع مقدّمه على رغم كل علامات الإستفهام التي تطرحها. بالنسبة لهيئة الشراء العام فإنّ التعاقد مع عارض وحيد لا يمكن أن يكون مقبولاً، إلا أنه طالما العرض مطابق تقنياً لدفتر الشروط، فإن القرار بحسب المصادر يعود للوزير، الذي قرر على ما يبدو أن يلجأ إلى تغطية مجلس الوزراء لتفويضه توقيع العقد.

Exit mobile version